المبسوط - السرخسي - ج ١٤ - الصفحة ٥٨
الوجوه ما أمكن وأحسن الوجوه ما قلنا والعراقيون يعبرون عن هذا الكلام ويقولون حل لنا دماؤهم طلق لنا أموالهم فما عدا عذر الأمان يضرب سبعا في ثمان وتأويل حديث ابن عباس أنه نهاهم عن ذلك لما رأى فيه من الكبت والغيظ للمشركين ولئلا يظنوا بنا انا نقاتلهم لطمع المال وأما التاجران من المسلمين في دار الحرب فلا يجوز بينهما إلا ما يجوز في دار الاسلام لان مال كل واحد منهما معصوم متقوم وان ذلك يثبت بالاحراز بدار الاسلام ولا ينعدم معنى الاحراز بالاستئمان إليهم ولهذا يضمن كل واحد منهما مال صاحبه إذا أتلفه وإنما يتملك كل واحد منهما على صاحبه بالعقد الذي باشره ولا يجوز اثبات عقد لم يباشراه بينهما من هبة أو غيرها وإن كان أسلما ولم يخرجا حتى تبايعا بالربا كرهته لهما ولم أرده له وهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرده والحكم فيها كالحكم في التاجرين أما على أصل أبى يوسف فقط فظاهر لأنه لا يجوز هذا العقد بين المسلم والحربي فكيف يجوز بين المسلمين ومحمد يقول مال كل واحد منهما معصوم عن التملك بالأخذ ألا ترى أن المسلمين لو ظهروا على الدار لا يملكون مالهما بطريق الغنيمة وإنما يتملك أحدهما مال صاحبه بالعقد بخلاف مال الحربي وأبو حنيفة يقول بالاسلام قبل الاحراز تثبت العصمة في حق الامام دون الاحكام ألا ترى ان أحدهما لو أتلف مال صاحبه أو نفسه لم يضمن وهو آثم في ذلك وإنما تثبت العصمة في حق الاحكام بالاحراز والاحراز بالدار لا بالدين لان الدين مانع لمن يعتقده حقا للشرع دون من لا يعتقده وبقوة الدار يمنع عن ماله من يعتقد حرمته ومن لم يعتقده فلثبوت العصمة في حق الاثم قلنا يكره لهما هذا الصنيع ولعدم العصمة في حق الحكم قلنا لا يؤمر أن يرد ما أخذه لان كل واحد منهما إنما يملك مال صاحبه بالأخذ فاما إذا ظهر المسلمون على الدار فإنما لا يملكون مال الذي أسلم لأنه صار محرزا ماله بيده ويده أسبق إليه من يد الغانمين فان دخل تجار أهل الحرب دار الاسلام بأمان فاشترى أحدهما من صاحبه درهما بدرهمين لم أجز ذلك الا ما أجيزه بين أهل الاسلام وكذلك أهل الذمة إذا فعلوا ذلك لان مال كل واحد منهم معصوم متقوم ولا يتملكه صاحبه الا بجهة العقد وحرمة الربا ثابتة في حقهم وهو مستثنى من العهد فان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى نصارى نجران من أربى فليس بيننا وبينه عهد وكتب إلى مجوس هجر اما أن تدعوا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله فالتعرض لهم في ذلك بالمنع لا يكون غدرا بالأمان وهذا لأنه يثبت
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست