المبسوط - السرخسي - ج ١٤ - الصفحة ٥٧
صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا معنى لقول من يقول كان موضع الخندق من دار الاسلام لأنا نقول عندكم هذا يجوز بين المسلم والحربي الذي لا أمان له سواء كان في دار الاسلام أو في دار الحرب والمعنى فيه أن المسلم من أهل دار الاسلام فهو ممنوع من الربا بحكم الاسلام حيث كان ولا يجوز أن يحمل فعله على أخذ مال الكافر بطيبة نفسه لأنه قد أخذه بحكم العقد ولان الكافر غير راض بأخذ هذا المال منه الا بطريق العقد منه ولو جاز هذا في دار الحرب لجاز مثله في دار الاسلام بين المسلمين على أن يجعل الدرهم بالدرهم والدرهم الآخر هبة * وحجتنا في ذلك ما روينا وما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب وهذا لان العباس رضي الله عنه بعد ما أسلم رجع إلى مكة وكان يربى وكان يخفى فعله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز وإنما جعل الموضوع من ذلك ما لم يقبض حتى جاء الفتح وبه نقول وفيه نزل قوله تعالى وذروا ما بقي من الربا قال محمد وبلغنا ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى ألم غلبت الروم قال له مشركو قريش يرون أن الروم تغلب فارس فقال نعم فقالوا هل لك أن تخاطرنا على أن نضع بيننا وبينك خطرا فان غلبت الروم أخذت خطرنا وان غلبت فارس أخذنا خطرك فخاطرهم أبو بكر رضي الله عنه على ذلك ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال اذهب إليهم فزد في الخطر وأبعد في الاجل ففعل أبو بكر رضي الله عنه وظهرت الروم على فارس فبعث إلى أبي بكر رضي الله عنه أن تعال فخذ خطرك فذهب واخذه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم به فأمره بأكله وهذا القمار لا يحل بين أهل الاسلام وقد أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبى بكر رضي الله عنه وهو مسلم وبين مشركي قريش لأنه كان بمكة في دار الشرك حيث لا يجرى أحكام المسلمين * ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة بأعلى مكة فقال له ركانة هل لك أن تصارعني على ثلث غنمي فقال صلوات الله عليه نعم وصارعه فصرعه الحديث إلى أن أخذ منه جميع غنمه ثم ردها عليه تكرما وهذا دليل على جواز مثله في دار الحرب بين المسلم والحربي وهذا لان مال الحربي مباح ولكن المسلم بالاستئمان ضمن لهم أن لا يخونهم وأن لا يأخذ منهم شيئا الا بطيبة أنفسهم فهو يتحرز عن الغدر بهذه الأسباب ثم يتملك المال عليهم بالأخذ لا بهذه الأسباب وهذا لان فعل المسلم يجب حمله على أحسن
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست