المبسوط - السرخسي - ج ١٤ - الصفحة ١١٤
المسجد يكون لله تعالى خالصا ألا ترى أنه لو جعل جزأ شائعا من داره مسجدا أو جعل وسط داره مسجدا لم يجز ذلك لأنه لم يصر خالصا لله تعالى فكذلك ما فيه حق الشفعة إذا جعله مسجدا وهذا لأنه في معنى مسجد الضرار لأنه قصد الاضرار بالشفيع من حيث ابطال حقه فإذا لم يصح ذلك كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة ويرفع المشترى بناءه المحدث ولو اشتري دارا فهدم بناءها ثم بنى فأعظم المنفعة فان الشفيع يأخذها بالشفعة ويقسم الثمن على قيمة الأرض والبناء الذي كان فيها يوم اشترى وتسقط حصة البناء لان المشتري هو الذي هدم البناء وينقض المشترى بناءه المحدث عندنا وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف أن الشفيع لا ينقض بناء المشترى ولكنه يأخذ بالثمن وقيمة البناء مبنيا ان شاء وهو قول الشافعي وجه قولهما ان المشترى بنى في ملك صحيح له فلا ينقض بناؤه لحق الغير كالموهوب له إذا بنى في الأرض الموهوبة وتأثير هذا الكلام أنه محق في أصل البناء فيستحق قرار البناء إذ ليس في ابقاء بنائه ابطال حق الشفيع فإنه يتمكن من أخذه مبنيا بالشفعة ولو نقضنا بناءه تضرر المشترى بابطال ملكه ولو لم ينقض لا يتضرر الشفيع بابطال حقه وان لزم الشفيع زيادة ثمن قيمة فبمقابلته يدخل في ملكه ما يعد له والضرر ببدل أهون من الضرر الذي يلحقه بغير بدل فكان مراعاة جانب المشتري أولى ألا ترى أنه لو زرع الأرض لم يكن للشفيع أن يقلع زرعه لهذا والبناء تبع للأرض بمنزلة الصبغ في الثوب ومن صبغ ثوب انسان فأراد صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه كان عليه أن يعطى الصباغ ما زاد الصبغ فيه وهذا بخلاف سائر تصرفات المشترى لان في ابقائها ابطال حق الشفيع فلذلك يمكن من نقضها وحجتنا في ذلك أنه بنى في بقعة غيره أحق بها منه من غير تسليط من له الحق فينتقض عليه بناؤه كالراهن إذا بنى في المرهون وبيان الوصف أن حق الشفيع في هذه البقعة حق قوى متأكد وهو متقدم على حق المشتري وتصرف المشتري فيما يرجع إلى الاضرار بالشفيع يكون باطلا لمراعات حق الشفيع ويجعل ذلك لتصرفه في غير ملكه ألا ترى أن تصرفه بالبيع والهبة ينقض هذا المعنى فكذلك بناؤه وفي البناء هو مضر بالشفيع من حيث أنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض هو بالتزامها وهو مبطل للحق الثابت له يعنى حق الاخذ بأصل الثمن فلا ينفذ ذلك منه كما لا ينفذ سائر التصرفات وهذا بخلاف المشتري شراء فاسدا إذا بنى لأنه بنى هناك بتسليط من له الحق ثم حق البائع في الاسترداد ضعيف لا يبقي بعد البناء ألا تري أنه
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست