المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ٥٨
فكذلك الجواب عند أبي يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى يجب عليه الحد لأنها إذا قالت أنا زوجتك فقد اعتمد خبر الواحد وذلك دليل شرعي ألا ترى أن البصير إذا تزوج امرأة فأخبره رجل أن امرأته هذه كان له أن يعتمد خبره ويطأها فإذا تبين أنها غير امرأته كان الثابت حكم الوطئ بشبهة فكذلك هي إذا أخبرته بذلك فأما إذا لم تخبره فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول اجابتها أو اتيانها بعدما دعى زوجته بمنزلة اخبارها أنى زوجتك ومحمد رحمه الله تعالى يقول إن اجابته إلى الفراش فهو كما لو وجدها نائمة على فراشه وكما لا يسقط الحد هناك بظنه فكذلك هنا (قال) رجل استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها فلا حد عليهما في قول أبي حنيفة وقال وأبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى عليهما الحد لتحقق فعل الزنا منهما فان الاستئجار ليس بطريق لاستباحة البضع شرعا فكان لغوا بمنزلة ما لو استأجرها للطبخ أو الخبز ثم زنى بها وهذا لان محل الاستئجار منفعة لها حكم المالية والمستوفي بالوطئ في حكم العتق وهو ليس بمال أصلا والعقد بدون محله لا ينعقد أصلا فإذا لم ينعقد به كان وهو والاذن سواء ولو زنى بها باذنها يلزمه الحد ولكن أبو حنيفة رحمه الله احتج بحديثين ذكرهما عن عمر رضي الله عنه أحدهما ما روى أن امرأة استسقت راعيا فأبي ان يسقيها حتى تمكنه من نفسها فدرأ عمر رضي الله عنه الحد عنهما والثاني ان امرأة سألت رجلا مالا فأبى ان يعطيها حتى تمكنه من نفسها فدرأ الحد وقال هذا مهر ولا يجوز ان يقال إنما درأ الحد عنها لأنها كانت مضطرة تخاف الهلاك من العطش لان هذا المعني لا يوجب سقوط الحد عنه وهو غير موجود فيما إذا كانت سائلة مالا كما ذكرنا في الحديث الثاني مع أنه علل فقال إن هذا مهر ومعنى هذا أن المهر والأجر يتقاربان قال تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن سمى المهر أجرا ولو قال أمهرتك كذا لأزنى بك لم يجب الحد فكذلك إذا قال استأجرتك توضيحه أن هذا الفعل ليس بزنا وأهل اللغة لا يسمون الوطئ الذي يترتب على العقد زنا ولا يفصلون بين الزنا وغيره الا بالعقد فكذلك لا يفصلون بين الاستئجار والنكاح لان الفرق بينهما شرعي وأهل اللغة لا يعرفون ذلك فعرفنا ان هذا لفعل ليس بزنا لغة وذلك شبهة في المنع من وجوب الحد حقا لله تعالي كما لا يجب الحد على المختلس لان فعله ليس بسرقة لغة يوضحه أن المستوفى بالوطئ وإن كان في حكم العتق فهو في الحقيقة منفعة والاستئجار عقد مشروع لملك المنفعة وباعتبار هذه الحقيقة يصير شبهة
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست