المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ٢٣
في القضاء لأنه في الظاهر مخاطب لهم وان كتب إليه أو أرسل لم يحنث لما بينا ان الكلام لا يكون الا مشافهة ألا ترى أن أحدا منا لا يستجيز أن يقول كلمني الله وقد أتانا كتابه ورسوله وإنما يقال كلم الله موسى تكليما لأنه أسمعه كلامه بلا واسطة وكذلك لو أومي أو أشار لم يحنث لان الكلام ما لا يتحقق من الأخرس والايماء والإشارة يتحقق منه فلا يكون كلاما وذكر هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال سألني هارون عمن حلف لا يكتب إلى فلان فأمر أن يكتب إليه بايماء أو إشارة هل يحنث فقلت نعم إذا كان مثلك يا أمير المؤمنين وهذا صحيح لان السلطان لا يكتب بنفسه عادة إنما يأمر به غيره ومن عادتهم الامر بالايماء والإشارة وعن ابن سماعة قال سألت محمدا عمن حلف لا يقرأ كتابا لفلان فنظر فيه حتى فهمه ولم يقرأه فقال سأل هارون أبا يوسف رحمه الله تعالى عن هذا وكان قد ابتلى بشئ منه فقال لا يحنث وأنا برئ من ذلك ثم ندم وقال اما انا فلا أقول فيه شيئا وذكر هشام وابن رستم عن محمد رحمهم الله تعالى انه يحنث لان المقصود الوقوف على ما فيه لا عين القراءة وفي الايمان يعتبر المقصود وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أن اللفظ مراعى ولفظه القراءة والنظر والتفكر ليفهم لا يكون قراءة ألا ترى أنه لا يتأدى به فرض القراءة في الصلاة وان قال لا أكلم مولاك وله موليان أعلى وأسفل ولا نية له حنث بأيهما كلم وكذلك لو قال لا أكلم جدك وله جدان من قبل أبيه وأمه لان هذا اسم مشترك والأسماء المشتركة في موضع النفي تعم لان معني النفي لا يتحقق بدون التعميم وهو بمنزلة النكرة تعم في موضع النفي دون الاثبات وهذا إشارة إلى الفرق بين هذا وبين الوصية لمولاه وقد بينا تمام هذا الفرق في الجامع وان حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفى ماله عليه فلزمه ثم فر منه الغريم لم يحنث لأنه عقد يمينه على فعل نفسه في المفارقة وهو ما فارق غريمه إنما الغريم هو الذي فارقه وكذلك لو كابره حتى أنفلت منه لأنه يقصد بيمينه منع نفسه عما في وسعه دون ما ليس في وسعه (قال) ولو أن المطلوب أحال بالمال على رجل وأبرأه الطالب منه ثم فارقه لم يحنث عند محمد وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يحنث لان ما جعله غاية وهو استيفاء ماله عليه قد فات حين برئ المطلوب بالحوالة وقد بينا أن فوت الغاية عندهما يسقط اليمين لا إلى حنث خلافا لأبي يوسف رحمه الله تعالى كما في قوله لا أكلمك حتى يأذن لي فلان فان توى المال على المحال عليه ورجع الطالب إلى
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست