المبسوط - السرخسي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٦
أصحابنا رحمهم الله تعالى يقولون الحرمة تثبت هنا بطريق العقوبة كما تثبت حرمة الميراث في حق القاتل عقوبة والأصل فيه قوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم الآية وعلى هذا الطريق يقولون المحرمية لا تثبت حتى لا تباح الخلوة والمسافرة بها ولكن هذا التعليل فاسد فان التعليل لتعدية حكم النص لا لاثبات حكم آخر سوى المنصوص فان ابتداء الحكم لا يجوز اثباته بالتعليل والمنصوص حرمة ثابتة بطريق الكرامة فإنما يجوز التعليل لتعدية تلك الحرمة إلى الفروع لا لاثبات حكم آخر سوى المنصوص ولكن الصحيح أن نقول هذا الفعل زنا موجب للحد كما قال ولكنه مع ذلك حرث للولد ويصلح أن يكون سببا لثبوت الحرمة والكرامة باعتبار أنه حرث للولد ألا ترى أنه في جانبها الفعل زنا ترجم عليه وإذا حبلت به كان لذلك الولد من الحرمة ما لغيره من بني آدم فيثبت نسبه منها وتحرم هي عليه وثبوت هذا كله بطريق الكرامة لأنه حرث لا لأنه زنا فكذا هنا فبهذا التقرير يتبين فساد استدلالهم بالحديث فانا لا نجعل الحرام محرما للحلال وإنما نثبت الحرمة باعتبار ان الفعل حرث للولد وحرمة هذا الفعل بكونه زنا على أن هذا الحديث غير مجرى على ظاهره فان كثيرا من الحرام يحرم الحلال كما إذا وقعت قطرة من خمر في ماء وكالوطئ بالشبهة ووطئ الأمة المشتركة ووطئ الأب جارية الابن فان هذا كله حرام حرم الحلال لا لأنه حرام بل للمعنى الذي قلنا فكذلك هنا ومن فروع هذه المسألة بنت الرجل من الزنا بأن زنى ببكر وأمسكها حتى ولدت بنتا حرم عليه تزوجها عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون حراما وله في البنت الملاعنة التي لم يدخل بالأم قولان واستدل فقال نص التحريم قوله تعالى وبناتكم وذلك يتناول البنت المضافة إليه نسبا والبنت من الزنا غير مضافة إليه نسبا بل هي حرام الإضافة إليه نسبا ولو أثبتنا الحرمة فيها كان اثبات الحرمة بالزنا وبه فارق جانبها فان الابن من الزنا يضاف إلى الأم نسبا فكانت هي حراما عليه لقوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وتبين بهذا التفريق ان هذه الحرمة الثابتة شرعا تنبنى على ثبوت النسب شرعا والنسبة إلي الزاني غير ثابتة من كل وجه فكذا هنا وهكذا يقول على أحد القولين في بنت الملاعنة وعلى القول الآخر يفرق بينهما فيقول النسب هناك كان ثابتا باعتبار الفراش لكن انقطع باللعان وبقي موقوفا على حقه حتى لو أكذب نفسه يثبت النسب منه ولا يثبت من غيره وان أعاده فيجوز ابقاء الحرمة وهنا النسب لم يكن ثابتا أصلا
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست