المبسوط - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٥٢
ما خلق منه * قال (وان وقع فيه دم أو خمر أو عذرة أو بول أفسده عندنا) وقال مالك رحمه الله لا يفسده إلا أن يتغير به أحد أوصافه من لون أو ريح أو طعم واحتج بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيه الجيف ومحايض النساء فلما ذكر له ذلك قال خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (ولنا) قوله عليه الصلاة والسلام لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة فلو لم يكن ذلك مفسدا للماء ما كان للنهي عنه معنى وفائدة. وفيه طريقتان إحداهما أن الماء ينجس بوقوع النجاسة فيه لان صفة الماء تتغير بما يلقى فيه حتى يضاف إليه كماء الزعفران وماء الباقلا * والثانية أن عين الماء لا يتنجس ولكن يتعذر استعماله لمجاورة الفاسد لأن النجاسة تتفرق في أجزاء الماء فلا يمكن استعمال جزء من الماء الا باستعمال جزء من النجاسة واستعمال النجاسة حرام * وأما الحديث فقد قيل إن بئر بضاعة كان ماؤه جاريا يسقى منه خمس بساتين وعندنا الماء الجاري لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير أحد أوصافه. وقيل إنما كان يلقى فيه الجيف في الجاهلية فان في الاسلام نهوا عن مثل هذا وكان برسول الله صلى الله عليه وسلم من التنزه والتقذر ما يمنعه من التوضئ والشرب من بئر يلقى فيه ذلك في وقته وإنما أشكل عليهم أن ما كان في الجاهلية هل يسقط اعتباره بتطهير البئر في الاسلام فأزال اشكالهم بما قال (وان بزق في الماء أو امتخط لم يفسده لأنه طاهر لاقي طاهرا) والدليل على طهارة البزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان في محو بعض الكتابة به والدليل على طهارة المخاط أن النبي صلى الله عليه وسلم امتخط في صلاته فأخذه بثوبه ودلكه ثم المخاط والنخامة سواء ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضي الله عنه يغسل ثوبه من النخامة قال ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك الا سواء (وان أدخل جنب أو حائض أو محدث يده في الاناء قبل أن يغسلها وليس عليها قذر لم يفسد الماء استحسانا) وكان ينبغي في القياس أن يفسده لان الحدث زال عن يده بادخاله في الاناء فيصير الماء مستعملا كالماء الذي غسل به يده * وجه الاستحسان ما روى أن المهراس كان يوضع على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها ماء فكان أصحاب الصفة رضوان الله عليهم يغترفون منه للوضوء بأيديهم ولان فيه بلوى وضرورة فقد لا يجد شيئا يغترف به الماء من الاناء العظيم
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست