وابن رشد طريقين نظر لا يخفى والله أعلم. ثم أشار المؤلف إلى الوجه الثاني وهو الحقوق التي تخرج من رأس المال وليست بمعينة بقوله ثم مؤنة تجهيزه بالمعروف ثم تقضي ديونه. قال ابن رشد في المقدمات: وأما الحقوق التي ليست بمعينات، فإن كان في التركة وفاء بها أخرجت كلها، وإن لم يكن فيها وفاء بدئ بالأوكد فالأوكد منها، وما كان بمنزلة واحدة تحاصوا في ذلك فآكد الحقوق وأولاها بالتبدئة من رأس المال عند ضيقه الكفن وتجيز الميت إلى قبره انتهى.
قال أبو الحسن الصغير: لان الغرماء على ذلك عاملوه في حياته يأكل ويكتسي والكفن وتجهيزه إلى قبره من توابع الحياة انتهى. وقال في الرسالة: ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث.
قال الشيخ يوسف بن عمر: يريد آلة الدفن من أجرة الغسال والحمال والحفار والحنوط وغير ذلك. والكفن ثلاثة أثواب. ولا كلام للورثة في ذلك ولا للغرماء لان الدفن في ثوب واحد مكروه انتهى. وهذا خلاف المشهور. وقد قدم المؤلف أنه لا يقضى بالزائد على الواحد إن شح الوارث إلا أن يوصي في ثلثه. وقال ابن ناجي: أراد الشيخ أن مؤنة الدفن كالكفن وخشونة الكفن ورقته على قدر حاله انتهى. وهذا الذي قاله المؤلف في باب الجنائز وكفن بملبوسه لجمعته، وهذا معنى قول المصنف هنا: ثم مؤنة تجهيزه بالمعروف. ثم قال ابن رشد: ثم حقوق الآدميين من الديون الثابتة على المتوفى بالبينة العادلة أو بإقراره بها في صحته أو في مرضه لمن لا يتهم عليه انتهى. وقوله لمن لا يتهم عليه مفهومه أنها إذا كانت لمن يتهم عليه لا تنفذ من رأس المال وهو كذلك بمعنى أنها لا تدفع للمقر له وإلا فهي تحسب من رأس المال ولا يكون ما يخرج من الثلث إلا بعدها ثم ترجع ميراثا. قاله في أول الوصايا من المدونة. ونصه: وإذا أقر المريض بدين وأوصى بزكاة مال فرط فيها وبتل. في المرض ودبر فيه وأوصى بعتق عبد له بعينه وشراء عبد بعينه ليعتق وأوصى بكتابة عبد له وأوصى بحجة الاسلام وبعتق نسمة بغير عينها، فالديون تخرج من رأس ماله. وإن كانت لمن يتهم فيه، وهذا الذي ذكرناه في ثلث ما بقي، فإن كان الدين لمن يجوز إقراره أخذه، وإن كان لمن لا يجوز إقراره له رجع ميراثا انتهى.
وانظر فك الأسير ومدبر الصحة ونكاح المريضة، هل يدخلون فيما ذكر من الدين المقر به لمن يتهم وهو الذي يظهر من التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في الوصايا ولا مدخل للوصية فيما لم يعلم به، أو لا يدخلون وهو الظاهر من هذا المحل من المدونة. ثم رأينا في ابن يونس في كتاب المدبر أن المدبر في الصحة يدخل في ذلك فيكون فك الأسير المقدم عليه من باب أولى فتأمله والله أعلم. قال ابن رشد: ثم حقوق الله المفروضات من الزكاة والكفارات على مراتبها والنذور إذا أشهد على نفسه في صحته بوجوب ذلك عليه في ذمته، ويبدأ من ذلك في رأس ماله الأوكد فالأوكد كما يبدأ الآكد فالآكد في ذلك إذا فرط فيه في حياته وأوصى به أن يؤدي عنه بعد وفاته، وزكاة الماشية إذا مات عند حلولها عليه وليس فيه السن الواجبة فيها تجري في التبدئة مجرى ما لم يخرجه عند حلوله وأشهد به على نفسه في صحته انتهى.