مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ١٨٤
المقلدين فيجب كشف أحوالهم السيئة لمن عرفها ممن يقلد في ذلك ويلتفت إلى قوله لئلا يغتر بهم ويقلد في دين الله من لا يجب. على هذا اجتمع رأي الأئمة قديما وحديثا. وليس الستر هاهنا بمرغب فيه ولا مباح، وليس في الحديث ما يدل على الاثم في كشفه ورفعه إلى السلطان، وإنما فيه الترغيب على ستره. ولا خلاف إن رفعه له وكشفه لمعصية الله مباح له غير مكروه، ولا ممنوع إن كانت له نية من أجل عصيانه لله ولم يقصد كشف ستره والانتقام منه مجردا فهذا يكره له اه‍. والظاهر أنه يحرم بهذا القصد لقوله تعالى: * (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) * والظاهر أيضا إن الستر إذ خلا عن القيود التي ذكرها أولا يكون مندوبا إليه للحديث المتقدم وأنه يكره الرفع والله أعلم.
فرع: قال في النوادر: قال ابن وهب عن مالك: الجار يظهر شرب الخمر وغيره فليتقدم إليه وينهه، فإن انتهى وإلا رفع أمره إلى الامام. والشرطي يأتيه رجل يدعوه إلى ناس في بيت على شراب قال: أما البيت الذي لم يعلم ذلك منه فلا يتبعه، وإن كان بيتا معلوما بالسوء قد تقدم إليه فيه فليتبعه الشرطي. انتهى من الترجمة الثانية من كتاب الشهادات ص: (أو شهد وحلف) ش: قال ابن عبد السلام: إلا أن يكون الشاهد من جهلة العوام فإنهم يتسامحون في مثل ذلك فينبغي عندي أن يعذروا به. فإن قلت: هذا الوجه من الحرص لا يدل على ضعف في الشهادة. ألا ترى أنه قد جاء في كتاب الله * (فيقسمان بالله) * وعلى ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري؟ قلت: قد قبل أن الحكم منسوخ وبتقدير كونه محكما فالشهود لم يبدؤا باليمين وإنما طلبت منهم فلا يضر انتهى. وقال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب الشهادات: قال ابن بطال في قوله عليه الصلاة والسلام: تسبق شهادة أحدهم يمينه: يستدل به على أن الحلف في الشهادة يبطلها. قال: وحكى ابن شعبان في الزاهي من قال أشهد بالله أن لفلان على فلان كذا لم تقبل شهادته لأنه حلاف وليست بشهادة. قال ابن بطال: والمعروف عن مالك خلافه انتهى ص: (أو رفع قيل الطلب في محض حق الآدمي) ش: قال في التوضيح: نعم قال علماؤنا يجب عليه أن يعلم صاحبه به إن كان حاضرا، فإن لم يفعل فروى عيسى عن ابن القاسم ذلك مبطل لشهادته. قال الاخوان: إلا أن يعلم صاحب الحق بعلمهم. وجعله ابن رشد تفسيرا. وقال سحنون: لا يكون ذلك جرحة إلا في حق الله تعالى لان صاحب الحق إن كان حاضرا فقد ترك حقه، وإن كان غائبا فليس للشاهد شهادة.
ويلزم على هذا التعليل أنه إذا كان حاضرا لا يعلم أن تلك الرباع له مثل أن يكون أبوه أعارها
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست