مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ١٨١
القاسم في صاحب السوق أخذ سكرانا فسجنه وشهد عليه وآخر معه فقال: لا أرى أن تجوز شهادته لأنه قد صار خصما حين سجنه، ولو رفعه إلى غيره قبل أن يسجنه وشهد مع الرجل جازت شهادته عليه. قال محمد بن رشد: إنما جازت شهادته عليه وإن أخذه فرفعه ما لم يسجنه لان ما فعل من أخذه ورفعه لازم له من أجل أنه موكل بالمصلحة، ولو لم يكن صاحب السوق موكلا بالمصلحة فأخذ سكرانا فرفعه إلى غيره لم تجز شهادته عليه على ما قال في المسألة بعدها وبالله التوفيق.
مسألة: وقال ابن القاسم في أربعة نفر شهدوا على رجل بالزنا فتعلقوا به فأتوا به إلى السلطان وشهدوا عليه قال: لا أرى أن تجوز شهادتهم وأراهم قذفة، ورواها أصبغ في كتاب الحدود. وقال محمد بن رشد: إنما لم تجز شهادتهم لان ما فعلوا من أخذه وتعلقهم به ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم ولا يجب عليهم بل هو مكروه لهم، لان الانسان مأمور بالستر على نفسه وغيره. قال رسول الله (ص): من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدلنا فضيحته نقم عليه كتاب الله. وقال لهزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك. فلما فعلوا ذلك صاروا ظالمين له ومدعين الزنا عليه وقذفة له، فوجب عليهم الحد له إلا أن يأتوا بأربعة شهداء سواهم على معاينة الفعل كالمرود في المكحلة. ولو كانوا أصحاب شرطة موكلين بتغيير المنكر ورفعه أو أحدهم فأخذوه أو أخذه فجاؤوا به فشهدوا عليه لقبلت شهادتهم لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم على قياس. قوله في المسألة التي قبلها وفي الواضحة لمطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه إذا شهد أربعة بالزنا على رجل جازت شهادتهم وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاؤوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريب بعضه من بعض. ووجه ذلك أنه لما كان ما فعلوا من قيامهم عليه مباحا لهم وإن كان الستر أفضل لم يكونوا خصماء إذ لم يقوموا لأنفسهم وإنما قاموا لله. وقد مضى هذا الاختلاف مجردا عن التوجيه في أول رسم من هذا السماع. ولو كانت الشهادة فيما يستدام فيه التحريم من حقوق الله كالطلاق والعتاق لجازت شهادتهما في ذلك وإن كانا هما القائمين بذلك لان القيام بذلك متعين عليهما. وقد قال بعض المتأخرين: إن ذلك لا يجوز على مذهب ابن القاسم. وقوله في هذه المسألة خلافا لمطرف وابن الماجشون. ووجه ذلك أن كل من قام في حق يريد إتمامه فهو يتهم أن يزيد في شهادته ليتم ما قام فيه وهو عندي بعيد انتهى. وكررها في سماع أصبغ من كتاب الحدود والقذف. وذكر ابن رشد كلامه عليها بالحرف وأشار إلى أنه قدمه غير أنه زاد بعد قوله في آخر الشرح وابن الماجشون لفظ وأصبغ وهو ظاهر وقال بعده: ووجه ذلك بأن كل من قام إلى آخر ما تقدم، فجعل وجه فعل ماضيا مسندا إلى ضمير بعض المتأخرين. كذا
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست