رأيته هناك مضبوطا بالقلم ويدل عليه قوله: بأن بإدخال الباء على أن بخلاف ما في هذا المحل فإنه وجه فيه مصدر مما يظهر ويدل عليه إدخال اللام على أن والظاهر ما في الحدود فلعل ما هنا تصحيف من الناسخ والله أعلم. وفي تعليله شئ فإنه في أول الكلام جعل فعلهم من الرفع وعدم الستر مكروها ثم جعله مباحا، والمباح مباين للمكروه. ولعله أراد الجائز فإنه يطلق على ما يشمل المكروه والمباح والمندوب والواجب كما تقدم أول الكتاب عن القرافي.
قال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام ابن رشد المتقدم في الكلام على العداوة.
قلت: فشهادة من رفع من شهد عليه لأنه مولى على ذلك مقبولة، وفي غير المولى ثالثها إن كان فيما يستدام فيه التحريم الأول للأخوين الثاني لبعض المتأخرين على قياس قول ابن القاسم فيما لا يستدام تحريمه، الثالث لابن رشد محتجا بأن القيام به متعين انتهى. وقال ابن عرفة في هذا المحل: قال المازري: واختلف إذا قام الشهود وخاصموا في حقوق الله، فأسقط ابن القاسم شهادتهم لان خصامهم علم على شدة الحرص على إنفاذ شهادتهم والحكم بها، وشدة الحرص قد تحمل على تحريفها أو زيادة فيها. قال مطرف: شهادتهم تلزمه لأنه في أمور الآخرة، وقد قدمنا أن العداوة في حق الله لا تؤثر في الشهادة. وذكر الباجي في قول محمد:
لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين: من قام يطلب حق الله لم تقبل شهادته فيه. قاله ابن القاسم في العتبية. وقال مطرف: شهادته جائزة انتهى.
قلت: ونحوه لابن رشد وتقدم ذكر كلامه في ذكر الخصومة فجعل المازري المانع حرصه على القبول خلاف كونه الخصومة انتهى. وقال ابن فرحون في الفصل الثالث من القسم الرابع ومن الركن السادس من الباب الخامس من القسم الأول: من كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يكتمها ويلزمه إذا ادعي أن يقوم بها، وإن لم يدع فهو على وجهين: إما أن يكون حقا لله، وإما أن يكون حقا لآدمي. فالأول على قسمين: ما لا يستدام فيه على التحريم وما يستدام فيه. فالأول كالزنا والشرب وشبهه فلا يضر ترك إخباره بالشهادة لان ذلك ستر عليه. وأشار ابن رشد إلى أن هذا في حق من ينذر منه، وأما من كثر منه فينبغي أن يشهد عليه. وإن علم الإمام بذلك فقد قال ابن القاسم في المجموعة: يكتمونه الشهادة ولا يشهدوا بذلك إلا في تجريح إن شهد على أحد.
والثاني: كالعتق والطلاق والخلع والرضاع والعفو عن القصاص وتملك الأحباس والقناطر وشبهه، فيلزمه أن يخبر بشهادته ويقوم بها عند الحاكم، فإن لم يخبر بشهادته سقطت لان سكوته عن ذلك جرحة إلا أن يثبت أن لهم عذرا في عدم القيام. قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام ابن رشد اختلف في تجريح الشاهد بذلك. واختلف في بطلان شهادته بالسكوت. فإن كان المنكر هو القائم عليه وهو القائم بالشهادة، فاختلف هل تقبل شهادته أم لا؟ وذهب ابن