التبصرة في الفصل السادس من الركن الأول من الباب الخامس من القسم الأول:
مسألة: قال ابن الماجشون: العمل عندنا أن يسمع القاضي من بينة الخصم ويوقع شهادتهم، وحضر الخصم أم لم يحضر. فإذا حضر الخصم قرأ عليه الشهادة وفيها أسماء الشهود وأنسابهم ومساكنهم، فإن كان عنده في شهادتهم مدفع أو في عدالتهم مجرح كلفه إثباته وإلا لزمه القضاء، وإن سأله أن يعيد عليه البينة حتى يشهدوا بمحضره فليس له ذلك.
وقال بعض العراقيين: لا يكون إيقاع الشهود إلا بمحضر الخصم المشهود عليه. قال ابن حبيب: وقال لي مطرف وأصبغ مثله. وقال فضل وسحنون مثله إلا أن يكون الخصم غائبا غيبة بعيدة انتهى. وقال في العتبية في أول مسألة من سماع عيسى من كتاب الأقضية: قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن رجل ادعى وكالة ولم يثبتها بعد وشهود الحق الذي وكل فيه حضوره أيقبل القاضي شهادتهم؟ قال: إن خاف أن يحرجوا إلى موضع وكان لذلك وجه قبل القاضي شهادتهم ثم يثبت الوكالة بعد، وإلا فلا حتى تثبت الوكالة. قال ابن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة وغيرها من قول ابن القاسم. وروايته عن مالك أن القاضي يسمع من البينة قبل وقت دخول الحكم بها، من ذلك قوله في كتاب الطلاق السنة منها أن القاضي يسمع البينة على المفقود بأنه أوصى بوصية أو أوصى إلى رجل قبل الحكم بتمويته.
ويأتي على قول مطرف وابن الماجشون أن القاضي لا يقبل من أحد بينة ولا يسمعها إلا في حال يحكم بها للطالب أو يدفع بها عن المطلوب أنه لا يسمع من بينته حتى تثبت وكالته، وإن خشي مغيب بينته أشهد على شهادتهم انتهى. وقال في النوادر في كتاب أدب القضاء في إنصاف الخصمين والعدل بينهما: قال مطرف وابن الماجشون: ولا يسمع من أحد الخصمين إلا بمحضر صاحبه إلا أن يعرف من المتخلف لددا في تخلفه فيشكو إليه فيسمع منه. ثم ذكر عن المجموعة عن أشهب كلاما ثم قال: ومن العدل بين الخصمين أن لا يجيب أحدهما في غيبة الآخر إلا أن يعرف لددا من المتخلف أو لم يعرف وجه خصومه المدعي، فلا بأس أن يسمع منه حتى يعلم أمره. وإذا جاء أحدهما ولم يحضر الآخر فلا يسمع منه حجته وليأمره بإحضار خصمه أو يعطيه طينه أو يكتب بجلبه إلا أن يكون لم يعلم ما خصومتهما فلا بأس أن يسمع منه انتهى. ونقله ابن بطال في أوائل مقنعه. وقال في الباب الذي قبله: قال محمد بن عبد الحكم: وإذا استعدى رجل على رجل بدعوى عند الحاكم، فإن كان في المصر أو قريبا منه أعطاه طابعا في جلبه أو رسولا، وإن كان بعيدا من المصر لم يجلبه إلا أن يشهد عليه شاهدان أو شاهد، فإذا ثبت عنده كتب إلى من يثق به من أمنائه إما أنصفه وإلا فليرتفع معه، وأما القريب من المدينة مثل أن يأتي ثم يرجع ويبيت في منزله والطريق مأمونة، فهذا يرجع بالدعوى كالذي في المصر، انتهى ونقله ابن فرحون في الفصل المتقدم ذكره وأطال الكلام فيه فراجعه والله أعلم ص: (فإن