قلت: الذي يقتضيه كلام أصحابنا أنه لا إساءة في ذلك وإنما هو خلاف الأولى. نعم يمكن أن يقال فيمن أخر الاحرام إلى عرفة وهو مريد للحج إنه مسئ. ولم أقف عليه في كلام أهل المذهب ولا أجزم بأنه آثم.
الثاني: يخصص كلامه هنا بالمقيم الذي ليس في نفس من الوقت أو كان في نفس من الوقت ولكنه لا يقدر على الخروج لميقاته أي في سعة أن يخرج إلى ميقاته، أو يقال: لا يرد عليه ذلك لأنه سيأتي له أنه يستحب لمن كان مقيما بمكة وكان في نفس من الوقت أي في سعة أن يخرج إلى ميقاته ليحرم منه بالحج. وقاله في المدونة. والنفس بفتح الفاء السعة. ص: ( ندوب المسجد) ش: أي ويستحب للمقيم بمكة إذا أراد أن يحرم منها بالحج أن يحرم من المسجد، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة قال فيها: واستحب مالك لأهل مكة ولمن دخلها بعمرة أن يحرم بالحج من المسجد الحرام انتهى. وعن ابن حبيب أن المستحب أن يحرم من باب المسجد. وقيل: لا يستحب الاحرام من المسجد ولا من بابه بل يحرم من حيث شاء.
وظاهر كلام ابن الحاجب أن هناك قولا بلزوم الاحرام من المسجد. واعترض عليه بأنه لا خلاف في عدم اللزوم. ونص كلام ابن الحاجب: وفي تعيين المسجد قولان انتهى قال ابن عبد السلام: وأكثر النصوص استحباب ذلك، وظاهر كلام المؤلف أن القولين في الوجوب ولم أر ذلك لغيره إلا لابن بشير انتهى. قلت: ليس في عبارة ابن بشير تصريح بالوجوب ونصه: ومريد ذلك يعني الاحرام لا يخلو من أن يبعد بلده أو يقرب أو يكون في الحرم. ثم قال: فإن كان من أهل مكة أو ممن دخلها ثم أنشأ الاحرام منها، فإن أراد الحج أحرم من مكانه. ومن أين؟ هل من داخل المسجد لأنه أقصى الممكن من البعد عن الحل فأشبه المواقيت، أو من حيث شاء من مكة؟ في ذلك قولان انتهى. فتأمله. وقال في التوضيح: وقوله - يعني ابن الحاجب - ففي تعيين المسجد للاحرام قولان أي يستحب تعيين المسجد إذ لا خلاف في عدم اللزوم. انتهى ونحوه لابن فرحون.
وقال بعد ذكر القول الثاني بعدم الاستحباب وهو حسن لحديث جابر أهلنا بالأبطح. واعترض ابن عرفة على من أنكر القول باللزوم بأنه مفهوم من كلام الشيخ ابن أبي زيد وسماع أشهب ابن رشد عليه. ولنذكر كلامه برمته. قال منها: فيها إحرام مريده من مكة، وفيها أيضا يستحب من المسجد الحرام. وسمع القرينان يحرم من جوف المسجد قيل: من بيته؟ قال: بل من جوف المسجد. قيل: من عند باب المسجد؟ قال: لا بل من جوف المسجد. ابن رشد: لأن السنة كون الاحرام إثر نفل بالمسجد فإذا صلى وجب إحرامه من مكانه لأن التلبية إجابة إلى بيته الحرام أو بخروجه يزاد من البيت بعد الخلاف خروجه من غيره من مساجد المواقيت بخروجه يزداد من البيت قربا. اللخمي: قوله في المبسوط من حيث شاء من مكة أصوب.