وهي من أحرم بالحج قبل ميقاته الزماني فما ذكره من أنه يكره ذلك ويصح إن وقع فهو المشهور في المذهب ومذهب مالك في المدونة قال فيها: وكره مالك أن يحرم أحد قبل أن يأتي ميقاته أو يحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل في الوجهين جميعا لزمه ذلك انتهى. وصرح غير واحد بأنه المشهور ومقابله ذكره اللخمي ولم يعزه ونصه: واختلف إذا عقد الاحرام بالحج قبل حلول شوال فقال مالك: ينعقد إحرامه ويكون في حج بمنزلة من عقد ذلك بعد حلوله.
وقيل: لا ينعقد لأنه بمنزلة من قدم الظهر قبل الزوال ويتحلل بعمرة لأن شوالا وما بعده إلى الزوال من يوم عرفة محلل للاحرام والطواف والسعي وليس للوقوف بعرفة. ولو أحرم قبل شوال ثم قدم مراهقا لم يعد الاحرام خاصة ولو كان المحرم وما بعده من شهور السنة إلى شوال محلا للاحرام والطواف والسعي ولم يكن للآية فائدة ولا لاختصاص الذكر بالأشهر للاحرام والسعي فائدة إذا كان غيرها من الشهور بمنزلتها. وأما قوله يتحلل بعمرة فاستحسان وهو بمنزلة من دخل في صلاة ثم ذكر أنه صلاها فإنه يستحب له أن ينصرف على شفع. قال ابن القاسم: فإن قطع فلا شئ عليه انتهى. يعني فإن قطع الصلاة فلا شئ عليه وليس راجعا للاحرام بالحج إذ لا نص لابن القاسم في ذلك. وقوله إنه بمنزلة من دخل في صلاة ثم ذكر أنه صلاها فيه نظر، لأنه ليس مثله بل إنما يشبه من أحرم بصلاة قبل دخول وقتها فتأمله والله أعلم. وانظر قوله ولو أحرم قبل شوال إلى آخره فإنه غير بين لم أفهمه، والقول بعدم الانعقاد قبل أشهر الحج قال ابن فرحون: قاله مالك أيضا ولم أر من عزاه لمالك غيره، والأصل في ذلك قوله تعالى * (الحج أشهر معلومات) * وذلك لأنه مبتدأ وخبر فيجب أن يرجعا لغير واحد والأشهر زمان والحج ليس بزمان فيتعين حذف أحد المضافين تصحيحا للكلام تقديره: زمان الحج أو أشهر الحج أو وقت الحج أشهر معلومات، أو يقدر: الحج ذو أشهر معلومات فيحذف المبتدأ وخبره. ثم المبتدأ يجب حصره في الخبر فيجب انحصار الحج في الأشهر فيكون الاحرام به قبلها كالاحرام بالظهر قبل الزوال فلا ينعقد، ووجه المذهب قوله تعالى * (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * فإنه يقتضي أن سائر الأهلة ميقات للحج. ونقول في الجواب عما استدلوا به الاحرام شرط لأنه ينعقد بالنية والنية هي المميزة للحج والمميز غير المميز فيكون شرطا فيجوز تقديمه كسائر الشروط كالطهارة وستر العورة، ولا منافاة بين هذا وبين قول أهل المذهب أنه ركن، لأنهم يعنون بكونه ركنا أنه لا ينجبر بالدم، وإذا علم ذلك فيكون المحصور إنما هو المشروط، أو نقول: هو ركن والمحصور في الأشهر الحج الكامل. ونحن نقول: الاحرام فيه أفضل ليحصل الجمع بين الآيتين. قال ابن القصار: ولا يمتنع أن يجعل الله الشهور كلها وقتا للاحرام ويجعل شهور الحج وقتا للاختيار، ويؤيد ذلك أيضا أن التحديد وقع في الميقات المكاني والاجماع على صحة الاحرام المتقدم عليه. وهذا الجواب أنسب للمذهب من جهة أنهم جوزوا للقران تقديم الطواف والسعي قبل