فالقسم الأول هو ما لا بد من فعله ولا يجزئ عنه بدل لا دم ولا غيره وهوما تقدم ذكره من المجمع عليه والمختلف في عند من يقول به، وهو على ثلاثة أقسام: قسم يفوت الحج بتركه ولا يترتب حكم بسبب تركه وهو الاحرام، إما بتركه بالكلية أو بترك ما هو شرط فيه وهو النية، وترك التلبية على قول ابن حبيب كترك الاحرام. وقسم يفوت الحج بفواته ويؤمر بالتحلل بأفعال عمرة والقضاء في قابل، وإن بقي على إحرامه إلى قابل فأتمه أجزأه وهو الوقوف بعرفة باتفاق، وعلى القول الآخر يضاف إلى الوقوف بعرفة الوقوف بالمشعر ورمي جمرة العقبة، ويضاف إلى ذلك على قول بعض الشافعية النزول بمزدلفة. وقسم لا يفوت الاحرام بتركه ولكن لا يتحلل من الاحرام إلا بفعله ولو صار إلى أقصى المشرق والمغرب رجع وإلى مكة ليفعله وهو طواف الإفاضة باتفاق والسعي على المشهور وطواف القدوم عند من قال بركنيته. والقسم الثاني ما يطلب بالاتيان به، فإن تركه لزمه دم. هل يأثم بتعمد الترك؟ قال ابن عبد السلام: تظهر ثمرة الخلاف في التسمية بالتأثيم وعدمه، فمن يرى وجوبها يقول بالتأثيم لتاركها، ومن يقول إنها سنة لا يقول بذلك انتهى. ونقله في التوضيح ثم قال: وقال الأستاذ أبو بكر الطرطوشي: أصحابنا يعبرون عن هذه الخصال بثلاث عبارات:
فمنهم من يقول واجبة، ومنهم من يقول وجوب السنن، ومنهم من يقول سنة مؤكدة، قال:
ولم أر لأصحابنا هل يأثم بتركها أو لا أو أرادوا بالوجوب وجوب الدم والامر محتمل انتهى. والظاهر أن الاختلاف إنما هو في محض عبارة كما قال في الطراز: والخلاف عندي آيل إلى عبارة محضة لأن الجميع قالوا في تركه دم انتهى. وأما التأثيم بتعمد الترك فقد صرح به عصري الطرطوشي الامام القاضي أبو عبد الله محمد بن الحاج في منسكه قال فيه:
وأما سنن الحج فمنها ما يؤمر بفعله ولا يلحق مؤثم بالقصد إلى تركه كالغسل للاحرام. ثم قال: ومنها سنن مؤكدة يجب فعلها ويتعلق الاثم مع القصد إلى تركها كالتلبية. ثم ذكر منها ثمانية ثم قال: وما أشبه ذلك مما يجب الدم بتركه انتهى. وصرح به ابن فرحون في الباب الثامن: إذا ثبت ذلك فاعلم أن الظاهر في هذه الأفعال أنها واجبة لصدق حقيقة الواجب عليها وهو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه فيكون كالأربعة المتقدمة. غاية الأمر أن الشارع خصص كلا منها بحكم يخصه فجعل الأربعة المتقدمة لا بد من الاتيان بها وجعل هذه تجبر بالدم، كما أنه خصص بعض الأربعة بأنه يفوت الحج به ولا يترتب على ذلك شئ، وبعضها بأنه يتحلل من الاحرام بسبب فوته ويلزم القضاء، وبعضها بأنه لا يتحلل إلا بالاتيان به وبإطلاق الوجوب عليه. صدر ابن الحاجب والمصنف في مناسكه وغيرهما قال ابن الحاجب: والواجبات المنجبرة وقيل سنن. وقال المصنف في مناسكه: القسم الثاني واجبات ليست بأركان. ومن أصحابنا من يعبر عنها بالسنن، وبعضهم يقول سننا مؤكدة. ويلزم على الأول التأثيم لكن قال الأستاذ أبو بكر: لم أر لاحد من علمائنا هل يأثم