ثم نرجع فنقول: إن أمثل ما ورد فيه ما رواه النسائي من حديث أسامة قلت:
يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان. ففيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون فيه عن العبادة بما يشتغلون به في رمضان ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان ولذلك كان يصومه. وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل صيام رجب وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم، ومن ذلك ما رواه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال لبعض أصحابه: صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك فقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها. ففي هذا الخبر وإن كان في إسناده من لا يعرف، ما يدل على استحباب صيام بعض رجب لأنه أحد الأشهر الحرم. وأما حديث أنس عن النبي (ص): من صام من كل شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة سبعمائة سنة فرويناه في فوائد تمام الرازي وفي سنده ضعفاء ومجاهيل. وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب أو في فضل صيامه أو صيام شئ منه صريحة فهي على قسمين: ضعيفة وموضوعة. فمن الضعيف ما رواه النقاش في كتاب فضل الصيام له والبيهقي في فضائل الأوقات له وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه موقوفا قال: إن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر. قال الحافظ ابن حجر: وجدت له شاهدا إلا أنه باطل. وقرأت بخط الحافظ السلفي بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه الرحيق من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أعده الله لصوام رجب وهو من وضع السقطي.
قلت: وظاهر كلام البيهقي في الشعب أن الحديث مرفوعا فيحرر ذلك. ومن ذلك ما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث أنس أن النبي (ص) كان إذا دخل رجب قال:
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان. قال: وقد وجدت لهذا الخبر إسنادا ظاهره الصحة فكأنه موضوع فأردت التنبيه عليه لئلا يغتر به. ومن ذلك ما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة أن رسول الله (ص) لم يصم بعد رمضان إلا رجبا وشعبان. وهو حديث منكر ثم قال: وورد في فضل رجب من الأحاديث الباطلة أحاديث لا بأس بالتنبيه عليها منها حديث رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي رواه النقاش المفسر ورواه ابن ناصر في أماليه عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله (ص): إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم: رجب لا يقارنه من الأشهر أحد ولذلك يقال له شهر الله الأصم، وثلاثة أشهر متواليات يعني ذا القعدة وذا الحجة والمحرم. ألا