واترك وقال بأصابعه الثلاثة فصمها وأرسلها. وفي مسلم عنه عليه الصلاة والسلام: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأما شعبان فروى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان أحب الشهور إلى رسول الله (ص) يصومه شعبان ثم يصله برمضان. وعنها أيضا أنها قالت: ما رأيت رسول الله (ص) في شهر أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا. وفي رواية لمسلم بعد إلا قليلا. بل كان يصومه كله. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
ما رأيت رسول الله (ص) يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. انتهى. كلام التوضيح. وما ذكره عن ابن يونس ذكره صاحب النوادر. وقوله: إنه يعارضها ما ذكره الجماعة المذكورون ظاهر لكن يعارض ما رواه الجماعة أيضا حديث مسلم وحديث أم سلمة السابقان انتهى.
تنبيهات: الأول: لم يذكروا شيئا يدل على فضل صوم رجب بخصوصه إلا قوله: صم من المحرم واترك وقد ذكر جماعة أحاديث في فضل صومه وفي النهي عن صومه، وقد تكلم العلماء في ذلك وأطالوا. وقد جمع في ذلك شيخ شيوخنا الحافظ شيخ الاسلام ابن حجر جزأ سماه، تبيين العجب بما ورد في فضل رجب فرأيت أن أذكر ملخصه هنا. وقد افتتحه رحمه الله بذكر أسمائه فذكر له ستة عشر اسما وهو: رجب لأنه كان يرجب في الجاهلية أي يعظم، أو لترك القتال فيه يقال أقطع الرواجب، والأصم لأنه لا تسمع فيه قعقعة السلاح، والأصب بموحدة لأنهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه، ورجم بالجيم لأن الشياطين ترجم فيه، والشهر الحرام لأن حرمته قديمة، والمقيم لأن حرمته ثابتة، والمعلى لأنه رفيع عندهم. والفرد وهو اسم شرعي. ومنصل الأسنة، ومنصل الآل أي الحراب، ومنزع الأسنة، وشهر العتيرة لأنهم كانوا يذبحونها فيه، والمبدي، والمعشعش وشهر الله. قال ابن دحية: ذكر بعض القصاص أن الاسراء كان في رجب قال وذلك كذب. قال الحربي: كان الاسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول ثم قال: فصل: لم يرد في فضله ولا في صيامه ولا في صيام شئ منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الامام الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذا رويناه عن غيره ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعيف ما لم تكن موضوعة انتهى. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة. وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قو له (ص): من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين فكيف بمن عمل به؟ ولا فرق في العمل بالحديث في الاحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع.