وهذا دعاء من المؤلف لمن نظر الخ. (قوله: نظر بعين الانصاف إليه) أي نظر بعين العدل إلى هذا الشرح. وفي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه العدل بإنسان ذي عين، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو عين، وفيه تنبيه على أن من نظر إليه بعين الجور لا يدخل في دعاء المؤلف المذكور، وأنه لا اعتداد به. (قوله: ووقف الخ) معطوف على نظر: أي ورحم الله امرأ وقف على خطأ في شرحي هذا فأطلعني عليه، وهذا تواضع من المؤلف رحمه الله تعالى، حيث اعترف بأن شرحه هذا لم يأمن عدم وقوع الخطأ فيه. (قوله: أو أصلحه) أي أصلح ذلك الخطأ، وهذا إذن من المؤلف لمن يكون أهلا أن يصلح ذلك الخطأ. والمراد بالاصلاح أن يكتب على الهامش لعله كذا، أو الصواب كذا. وليس المراد أن يغير ما في الشرح على الحقيقة ويكتب بدله، لان ذلك لا يجوز، فإنه لو فتح باب ذلك لأدى إلى عدم الوثوق بشئ من كتب المؤلفين، وذلك لان كل من طالع وظهر له شئ غير ما هو مقرر في الكتاب غيره إلى غيره، ويجئ من بعده ويفعل مثل فعله، وهكذا فحينئذ لا يوثق بنسبة شئ إلى المؤلفين، لاحتمال أن ما وجد مثبتا في كلامهم يكون من إصلاح بعض من وقف على كتبهم. قاله ع ش في كتابته على خطبة النهاية، وقال أيضا فيها: ليس كل اعتراض سائغا من المعترض، وإنما يسوغ له اعتراض بخمسة شروط كما قاله الأبشيطي وعبارته: لا ينبغي لمعترض اعتراض إلا باستكمال خمسة شروط، وإلا فهو آثم مع رد إعتراضه عليه: كون المعترض أعلى أو مساويا للمعترض عليه، وكونه يعلم أن ما أخذه من كلام شخص معروف، وكونه مستحضرا لذلك الكلام، وكونه قاصدا للصواب فقط، وكون ما اعترضه لم يوجد له وجه في التأويل إلى الصواب. اه. أقول وقد يتوقف في الشرط الأول، فإنه قد يجري الله على لسان من هو دون غيره بمراحل ما لا يجريه على لسان الأفضل. اه.
واعلم أنه لا بد في الاصلاح من التأمل وإمعان النظر، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة. وما أحسن ما قاله الأخضري في نظم المنطق:
وأصلح الفساد بالتأمل وإن بديهة فلا تبدل إذ قيل كم مزيف صحيحا * لأجل كون فهمه قبيحا (قوله الحمد لله الخ) أي الثناء بالجميل مستحق لله رب العالمين. وحمد ثانيا تنبيها إلى أنه ينبغي الاكثار من الحمد، إذ نعم الله على عبده في كل لحظة لا تنقطع، وليكون شاكرا ربه على إلهامه للحمد الأول، لان إلهامه إياه نعمة تحتاج إلى الشكر عليها، وأيضا فيه إشارة إلى القبول، لان ختم الدعاء به علامة على إجابته. (قوله: اللهم صل وسلم) لما أعاد الحمد لله ناسب أن يعيد الصلاة والسلام على رسول الله تبركا بهما ولقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * أي لا أذكر إلا وتذكر معي يا محمد، وإشارة إلى القبول لان ختم الدعاء بهما علامة على إجابته. (وقوله: كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون) هذه رواية، ويروى أيضا: كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، بذكر الذكر مرة في جانب الذاكرين ومرة في جانب الغافلين. وهذه الرواية الثانية سمع فيها احتمالات أربع. الأول: ما ذكر من كونه بكاف الخطاب في الأول وهاء الغيبة في الثانية، الاحتمال الثاني: عكس هذا، وهو بهاء الغيبة في الأول وكاف الخطاب في الثاني، الاحتمال الثالث بكاف الخطاب فيهما، الاحتمال الرابع: بهاء الغيبة فيهما. والاحتمال الأول منها أولى لان الذاكرين لله أكثر من الغافلين عنه، والغافلين عن النبي (ص) أكثر من الذاكرين له، إذ المؤمنون بالنسبة للكافرين كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وذكر الأكثر من جانب الله والأكثر في جانب النبي (ص) أبلغ في كثرة الصلاة