إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٧
وله أيضا:
إرحم عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله الراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة الرحمن جل جلاله اللهم يا رحمن ارحمنا، واجعلنا من الراحمين بجاه سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.
(قوله: الحمد لله الخ) لما كان تمام التأليف من النعم حمد الله عليه كما حمده على ابتدائه، فكأنه قال: الحمد لله الذي أقدرني على إتمامه كما أقدرني على ابتدائه. واختار الجملة الاسمية لإفادتها الدوام المناسب للمقام. (وقوله:
حمدا) مفعول مطلق منصوب بمثله، وهو الحمد الواقع مبتدأ. (وقوله: يوافي نعمه) أي يقابلها بحيث يكون بقدرها، فلا تقع نعمة إلا مقابلة بهذا الحمد، بحيث يكون الحمد بإزاء جميع النعم، وهذا على سبيل المبالغة بحسب ما ترجاه، وإلا فكل نعمة تحتاج إلى حمد مستقل. (وقوله: ويكافئ) بهمزة في آخره بمعنى يساوي. (وقوله: مزيده) مصدر ميمي، والضمير لله تعالى: أي يساوي الحمد ما زاده تعالى من النعم. والمعنى أن المؤلف ترجى أن يكون الحمد الذي أتى به موفيا بحق النعم الحاصلة بالفعل، ومساويا بما يزيده منها في المستقبل.
واعلم أن أفضل المحامد هذه الصيغة لما ورد: إن الله لما أهبط أبانا آدم إلى الأرض قال: يا رب علمني المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد، فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا عند كل صباح ومساء: الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده. ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك. وقال بعض العارفين:
الحمد لله ثمانية أحرف كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب، استحق أن يدخل الجنة من أيها شاء.
(قوله: وصلى الله وسلم الخ) أي اللهم صل وسلم، فهي جملة خبرية لفظا إنشائية معنى، وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاءا التحقق حصول المسؤول. وقد تقدم الكلام على الصلاة والسلام في خطبة الكتاب فارجع إليه إن شئت.
(وقوله: أفضل صلاة) نائب عن المفعول المطلق لصلى: أي صلى الله عليه صلاة موصوفة بكونها أفضل الصلوات الصادرة منك على خلقك، أو الصادرة منهم على الأنبياء والمرسلين. (وقوله: وأكمل سلام) نائب عن المفعول المطلق أيضا لقوله وسلم: أي وسلم عليه سلاما موصوفا بكونه أكمل السلام: أي التحية الصادرة منك على خلقك، أو من خلقك على الأنبياء والمرسلين. (قوله: على أشرف مخلوقاته) متعلق بكل من صلى وسلم، أي صلى الله وسلم على أفضل المخلوقات، أي على الاطلاق كما قال صاحب الجوهرة:
وأفضل الخلق على الاطلاق نبينا فمل عن الشقاق (وقوله: محمد) بالجر بدل من أشرف، ويصح رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على أنه مفعول لفعل محذوف. (قوله: وآله) معطوف على أشرف، والضمير يعود على محمد: أي وصلى الله وسلم على آل محمد، أي أتباعه، ولو عصاة لان المقام مقام دعاء. والعاصي أحوج إلى الدعاء من غيره. (قوله: وأصحابه) معطوف على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد: أي وصلى الله وسلم على أصحابه، وهو جمع صاحب، والمراد به صاحب النبي (ص)، وهو من اجتمع بنبينا (ص) اجتماعا متعارفا مؤمنا به، ولو أعمى وغير مميز.
فإن قلت: لم قدم الآل على الأصحاب مع أن فيهم من هو أشرف الأنام بعد المصطفى (ص) وهو أبو بكر.
فالجواب أن الصلاة على الآل ثبتت بالنص في قوله (ص) قولوا: اللهم صل على محمد وآله الحديث، وعلى الصحب بالقياس على الآل، فاقتضى ذلك التقدم.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»
الفهرست