إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٣٦٢
أنه لا يسلم عليه. ومن حلف لا يبيع هذا العبد، أو لا يشتري هذا الثوب، فوهبه في الأولى، أو وهب له في الثانية، لم يحنث لأنه لم يفعل المحلوف عليه. ومن حلف لا يبيع ولا يوكل وكان قد وكل قبل ذلك ببيع ماله، فباع الوكيل بعد الحلف بالوكالة السابقة، ففي فتاوي القاضي حسين: أنه لا يحنث، لأنه بعد اليمين لم يباشر ولم يوكل. وقياسه أنه لو حلف على زوجته أن لا تخرج إلا بإذنه، وكان قد أذن لها قبل ذلك في الخروج إلى موضع معين، فخرجت إليه بعد اليمين لم يحنث. ومن حلف لا يعتق عبده فكاتبه وعتق بالأداء لم يحنث، كما نقله الشيخان عن ابن القطان وأقراه. ومن حلف لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ حنث، لأنه يسمى أكلا عرفا، والايمان مبنية على العرف. بخلاف ما لو حلف بالطلاق أنه لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ فإنه لا يحنث، لأنه لا يسمى أكلا لغة، والطلاق مبني على اللغة. ولو حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير الخنصر لم يحنث. ومن حلف لا يكتب بهذا القلم فكسر بريته وبراه برية جديدة وكتب به لم يحنث. ومن حلف لا يتغدى، أو لا يتعشى، أو لا يتسحر، فلا يحنث في الأول إلا بأكله قبل الزوال، لان وقت الغداء من طلوع الفجر إلى الزوال. ولا يحنث في الثاني إلا بأكله بعد الزوال، لان وقت العشاء من الزوال إلى نصف الليل. ولا يحنث في الثالث إلا بأكله بعد نصف الليل، لان وقت السحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر. ومن حلف لا يفارق غريمه حتى يوفيه حقه، فهرب غريمه منه لم يحنث ولو تمكن من اتباعه، بل ولو أذن له في الهرب، لأنه لم يفارقه هو. ومن حلف لا يدخل الدار، حنث بدخوله داخل بابها حتى دهليزها، ولو برجل واحدة معتمدا عليها فقط، لا بصعوف سطح من خارج الدار، ولو محوطا بأن يكون له درج يصعد عليها له من خارجها. وإذا حلف الأمير مثلا لا يضرب زيدا فأمر الجلاد فضربه لم يحنث، أو حلف لا يبني بيته فأمر البناء ببنائه فبناه فكذلك لا يحنث، أو حلف أن لا يحلق رأسه فأمر حلاقا فحلقه لم يحنث - كما جرى عليه ابن المقري - لعدم فعله، وقيل يحنث للعرف. ومطلق الحلف على العقود ينزل على الصحيح منها فلا يحنث بالفاسد، ولو أضاف العقد إلى ما لا يقبله: كأن حلف لا يبيع الخمر، ولا المستولدة، ثم أتى بصورة البيع، فإن قصد التلفظ بلفظ العقد مضافا إلى ما ذكره حنث، وإن أطلق فلا. وكذلك الحلف على العبادات كالصلاة والصوم ينزل على الصحيح منهما، فلا يحنث بالفاسد منهما إلا الحج، فإنه يحنث بالفاسد. ولو حلف لا يصلي لم يحنث بصلاة الجنازة، لأنها لا تسمى صلاة عرفا. ومن حلف ليثني على الله أحسن الثناء، أو أعظمه، أو أجله، فليقل: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أو بأجل التحاميد فليقل: الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده. أو حلف ليصلين على النبي (ص) بأفضل الصلاة عليه، فليصل بالصلاة الإبراهيمية التي في التشهد. وهنا فروع كثيرة تركناها خوف الإطالة.
(قوله: فرع الخ) الأولى فروع، لأنه ذكر أربعة الأول: قوله يسن تغليظ الخ، الثاني: قوله ويعتبر في الحلف الخ، الثالث: قوله واليمين يقطع الخصومة الخ، الرابع: قوله واليمين المردودة الخ.
واعلم أن ما ذكر يذكره الفقهاء في باب الدعوى، وهو الأنسب وإن كان لذكره هنا وجه أيضا، وهو أن الكلام في الايمان وأنها قد تقع في خصومة كما مر.
(وقوله: تغليظ يمين الخ) إنما سن ذلك لان اليمين إنما وضعت للزجر عن التعدي، فغلظت مبالغة وتأكيدا للردع فيما هو متأكد في نظر الشرع، وهو ما سيذكره من النكاح الخ. (وقوله: من المدعي) أي صادرة منه فيما إذا كان المدعى به يثبت بيمين وشاهد، أو في يمين الرد. (وقوله: والمدعى عليه) أي وتغليظ يمين صادرة من المدعى عليه فيما إذا لم يكن عند المدعي بينة. (قوله: وإن لم يطلبه) أي التغليظ، وهو غاية في سنية التغليظ: أي يسن وإن لم يطلبه الخصم.
قال في التحفة: بل وإن أسقطه كما قاله القاضي. اه‍. (قوله: في نكاح الخ) أي في دعوى ذلك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ليمين: أي يمين واقعة في دعوى الخ. ويحتمل أن في بمعنى على، والجار والمجرور متعلق
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست