واعلم أن محل هذا التفصيل إن كانت الوليمة لغير خصم، فإن كانت له حرم عليه الحضور مطلقا، سواء كانت خاصة له أو عامة، كما في الروض وشرحه، وعبارتهما: وليس له حضور وليمة أحد الخصمين حال الخصومة، ولا حضور وليتهما ولو في غير محل ولايته، لخوف الميل، ويجيب غيرهما استحبابا إن عم المولم النداء لها. ولم يقطعه كثرة الولائم عن الحكم، بخلاف ما إذا قطعته عنه، فيتركها في حق الجميع، وله تخصيص إجابة من اعتاد تخصيصه بها قبل الولاية، ويكره له حضور وليمة اتخذت له خاصة أو للأغنياء ودعي فيهم، بخلاف ما لو اتخذت للجيران أو العلماء.
اه. (قوله: ويجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح) يعني إذا أهدى الزوج لغير القاضي من ولي المرأة المخطوبة، أو وكيلها، أو هي نفسها لأجل تزوجه عليها، جاز قبول الهدية منه، وتقدم للشارح في باب الهبة وباب الصداق أن من دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها، فرد قبل العقد رجع على من أقبضه، وعلله ابن حجر بأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم الخطبة، ولم تتم إذ يفهم منه جواز قبولها، وعدم رجوعه بعد العقد. (قوله: إن لم يشترط) أي غير القاضي على الزوج بأنه لا يزوجه بنته مثلا إلا بمال، فإن اشترط ذلك حرم قبوله. قال في التحفة في أواخر باب الهبة. وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الاخذ، ولم يملكه، قال الغزالي إجماعا. وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال، كتزويج بنته. اه. (قوله: وكذا القاضي) أي وكذلك يجوز له ما أهدي إليه بسبب النكاح، بأن كان هو ولي المخطوبة. (قوله: حيث جاز له الحضور) أنظره فإن الكلام فيما يدفع إليه على سبيل الهدية، وليس في ذلك حضور وليمة حتى يشترط ذلك. تأمل. (قوله: ولم يشترط) أي القاضي على الزوج أنه لا يزوج مثلا إلا بمال أو نحوه. (وقوله: ولا طلب) أي القاضي منه ذلك، فإن اشترط أو طلب، حرم عليه القبول. إذ لا يقابل ذلك بمال. (قوله: وفيه نظر) أي في قوله بجواز أخذ القاضي الهدية مطلقا نظر.
ووجهه أن القاضي لا يجوز له أخذ الهدية إلا إذا اعتيد ذلك، ولم يزد على العادة، ولم تكن خصومة، كما تقدم لا مطلقا، فالنظر بالنسبة للقاضي فقط من جهة إطلاقه فيه جواز الاخذ. (قوله: ويجوز لمن لا رزق) أي لقاض لا رزق له، وهو بفتح الراء اسم للفعل، وبكسرها اسم للأثر، وهو ما سيق إليك. والمراد هنا الثاني. (قوله: ولا في غيره) أي غير بيت المال كمن مياسير المسلمين. (قوله: وهو غير متعين للقضاء) أي والحال أن هذا القاضي الذي لا رزق له فيما ذكر غير متعين للقضاء، بأن وجد من يصلح للقضاء غيره، وما ذكر قيد في جواز أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة. وخرج به ما إذا تعين للقضاء، فيحرم عليه ذلك، وهذا مبني على الضعيف أن الواجب العيني لا يقابل بأجرة، والأصح أنه يقابل بأجرة، فالمتعين كتعليم الفاتحة له أن يمتنع منه إلا بأجرة، وكذلك المتعين للقضاء له أن يمتنع من الحكم إلا بأجرة، لكن إن كان مما يقابل بأجرة كما نبه على ذلك في فتح الجواد، وعبارته: ولمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء، وكان عمله مما يقابل بأجرة أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق، على ما قاله جمع، وهو أقرب للمنقول، لكن في استثناء المتعين والعمل يقابل بأجرة مخالفة لقولهم لا يلزم المتعين تعليم الفاتحة إلا بأجرة، لان الأصح جواز أخذها على الواجب العيني، كما لا يجب بذل طعام للمضطر إلا بالتزام البدل، فلعل ذلك التقييد على مقابل الأصح.
اه. (قوله: وكان عمله) أي عمل من لا رزق له مما يقابل بأجرة، فإن كان مما لا يقابل بأجرة، فليس له أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة، ويحرم عليه قبولها ولا يملكها، وتقدم للشارح في باب الإجارة أنه نقل عن شيخه ابن زياد حرمة أخذ القاضي الأجرة على مجرد تلقين الايجاب. إذ لا كلفة في ذلك. (قوله: وقال آخرون يحرم) أي قوله ما ذكر، وإذا حرم ذلك حرم قبولها ولا يملكها لو أعطيت له. (قوله: وهو) أي القول بالحرمة الأحوط. (قوله: لكن الأول) هو القول بالجواز أقرب: أي إلى المنقول.