إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٢٦٦
تنبيه: قال في المغني: قبول الرشوة حرام، وهو ما يبذل له ليحكم بغير الحق، أو ليمتنع من الحكم بالحق، وذلك لخبر: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم رواه ابن حبان وغيره وصححوه. لان الحكم الذي يأخذ عليه المال إن كان بغير حق، فأخذ المال في مقابلته حرام. أو بحق فلا يجوز توقيفه على المال إن كان له رزق في بيت المال، وروي:
أن القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر واختلف في تأويله فقيل: إذا أخذها مستحلا، وقيل أراد أن ذلك طريق وسبب موصل إليه، كما قال بعض السلف، المعاصي بريد الكفر. اه‍. (قوله:
ونقض القاضي لخ) شروع فيما ينقض حكم الحاكم، وقد ترجم له في الروض بفصل مستقل، وعبارته مع شرحه:
فصل: فيما ينقض من قضائه أي القاضي. ولنقدم عليه قواعد فنقول: المعتمد فيما يقضي به القاضي، ويفتي به المفتي الكتاب والسنة والاجماع، وقد يقتصر على الكتاب والسنة، ويقال الاجماع يصدر عن أحدهما، والقياس يرد إلى أحدهما، وليس قول الصحابي إن لم ينتشر في الصحابة حجة، لأنه غير معصوم عن الخطأ، فأشبه التابعي، ولان غيره يساويه في أدلة الاجتهاد فلا يكون قوله حجة على غيره، لكن يرجح به أحد القياسين على الآخر. وإذا تقرر أنه ليس بحجة فاختلاف الصحابة في شئ كاختلاف سائر المجتهدين، فلا يكون قول واحد منهم حجة. نعم: إن لم يكن للقياس فيه مجال فهو حجة، كما نص عليه الشافعي في اختلاف الحديث فقال: روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات، في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو ثبت ذلك عن علي لقلت به، فإنه لا مجال للقياس فيه.
فالظاهر أنه فعله توقيفا اه‍. فإن انتشر قول الصحابي في الصحابة ووافقوه، فإجماع خفي في حقه، فلا يجوز له كغيره مخالفة الاجماع، فإن خالفوه فليس بإجماع ولا حجة، فإن سكتوا بأن لم يصرحوا بموافقته ولا بمخالفته، أو لم ينقل سكوت ولا قول، فحجة سواء كان القول مجرد فتوى أم حكما من إمام أو قاض، لأنهم لو خالفوه لإعترضوا عليه، هذا إن انقرضوا، وإلا فلا يكون حجة لاحتمال أن يخالفوه لأمر يبدو لهم. والقياس جلي وهو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع، أو بعد تأثيره. وغير جلي وهو ما لا يقطع فيه بذلك، والحق كائن مع أحد المجتهدين في الفروع. قال صاحب الأنوار: وفي الأصول والآخر مخطئ مأجور لقصده الصواب. ولخبر الصحيحين: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر اه‍. بحذف. (قوله: حكما لنفسه أو غيره) أي حكما صدر من نفسه أو صدر من غيره، لكن إذا صدر من غيره ونقضه، سئل عن مستنده. وقولهم لا يسأل القاضي عن مستنده، محله إذا لم يكن حكمه نقضا، ومحله أيضا كما مر إذا لم يكن فاسقا أو جاهلا. (قوله: إن كان الخ) قيد في النقض: أي محل كون الحكم ينقض إن بان مخالفا للنص. (وقوله: كتاب أو سنة) بدل من قوله نص أو عطف بيان له، وهذا إن كان القاضي مجتهدا.
(قوله: أو نص مقلده). أي أو كان بخلاف نص مقلده - بفتح اللام - وهذا إن كان مقلدا، لما تقدم أن نص المقلد بالنسبة للمقلد كنص الشارع بالنسبة للمجتهد المطلق. (قوله: أو قياس جلي) عطف على نص: أي أو كان بخلاف قياس جلي، والمراد به غير الخفي فيشمل المساوي. وخرج به ما إذا كان بخلاف قياس خفي، فلا ينقض الحكم به. وعبارة الروض وشرحه. فإن بان له الخطأ بقياس خفي رجحه: أي رآه أرجح مما حكم به، إعتمده مستقبلا: أي فيما يستقبل من أخوات الحادثة، ولا ينقض به حكما، لان الظنون المتقاربة لا استقرار لها، فلو نقض ببعض لما استمر حكم ولشق الامر على الناس، وعن عمر رضي الله عنه أنه شرك الشقيق في المشركة بعد حكمه بحرمانه، ولم ينقض الأول وقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي. اه‍. (قوله: وهو) أي القياس الجلي. (قوله: ما قطع فيه بإلحاق الفرع) أي المقيس للأصل: أي المقيس عليه، وذلك كإلحاق الضرب بالتفيف في قوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) * وكإلحاق ما فوق الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * كما تقدم أول الباب. (قوله: أو إجماع) عطف على نص،

(1) سورة الإسراء، الآية: 23.
(2) سورة الزلزلة، الآية: 7.
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست