إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٢ - الصفحة ٧٤
الحالة الأولى: أن يقعا معا، فيبطلان، فيجب أن يجتمعوا أو يعيدوها جمعة عند اتساع الوقت.
الحالة الثانية: أن يقعا مرتبا، فالسابقة هي الصحيحة، واللاحقة باطلة، فيجب على أهلها صلاة الظهر.
الحالة الثالثة: أن يشك في السبق والمعية، فيجب عليهم أن يجتمعوا أو يعيدوها جمعة عند اتساع الوقت، لان الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة في حق كل منهم.
الحالة الرابعة: أن يعلم السبق ولم تعلم عين السابقة، فيجب عليهم الظهر، لأنه لا سبيل إلى إعادة الجمعة مع تيقن وقوع جمعة صحيحة في نفس الامر. لكن لما كانت الطائفة التي صحت جمعتها غير معلومة وجب عليهم الظهر.
الحالة الخامسة: أن يعلم السبق، وتعلم عين السابقة، لكن نسيت، وهي كالحالة الرابعة.
(وقوله: بمحلها) متعلق بمحذوف صفة جمعة أي جمعة تقام في محل الجمعة الأخرى. ولا فرق في المحل المذكور بين أن يكون بلدة أو مصرا أو قرية.
(لطيفة) سئل الشيخ الرملي - رحمه الله - عن رجل قال: أنتم يا شافعية خالفتم الله ورسوله، لان الله تعالى فرض خمس صلوات، وأنتم تصلون ستا بإعادتكم الجمعة ظهرا، فماذا يترتب عليه في ذلك؟ (فأجاب) بأن هذا الرجل كاذب فاجر جاهل. فإن اعتقد في الشافعية أنهم يوجبون ست صلوات بأصل الشرع كفر، وأجري عليه أحكام المرتدين، وإلا استحق التعزير اللائق بحاله، الرادع له ولأمثاله عن ارتكاب مثل قبيح أفعاله. ونحن لا نقول بوجوب ست صلوات بأصل الشرع، وإنما تجب إعادة الظهر إذا لم يعلم تقدم جمعة صحيحة، إذ الشرط عندنا أن لا تتعدد في البلد إلا بحسب الحاجة، ومعلوم لكل أحد أن هناك فوق الحاجة، وحينئذ من لم يعلم وقوع جمعته من العدد المعتبر وجبت عليه الظهر، وكان كأنه لم يصل جمعة، وما انتقد أحد على أحد من الأئمة إلا مقته الله تعالى - رضوان الله عليهم أجمعين -.
(قوله: إلا إن كثر أهله) أي أهل ذلك المحل. (قوله: وعسر اجتماعهم إلخ) هذا ضابط الكثرة، أي كثروا بحيث يعسر اجتماعهم، أي اجتماع من يحضرون بالفعل عند سم، ولو كانوا أرقاء وصبيانا ونساء، حتى لو كانوا ثمانين مثلا وعسر اجتماعهم في مكان واحد بسبب واحد منهم فقط، بأن سهل اجتماع ما عدا واحد جاز التعدد. والذي استوجهه ابن حجر: أن العبرة في العسر بمن يغلب فعلهم لها، سواء لزمتهم أم لا، حضروا بالفعل أم لا. وقيل: العبرة بأهل البلد كلهم. وهذا هو ظاهر عبارة الشارح. وقيل: العبرة بالذين تنعقد بهم الجمعة. وكلاهما بعيد، كما نص عليه في التحفة.
(قوله: بمكان واحد منه) أي من محل الجمعة. (قوله: ولو غير مسجد) أي ولو كان ذلك المكان غير مسجد. وأفاد بهذه الغاية أنه لا يشترط في المكان الذي يعسر اجتماعهم فيه أن يكون مسجدا، بل الشرط أنه لا يكون في البلد محل يسعهم للصلاة فيه ولو كان فضاء، فمتى كان في البلد محل يسعهم امتنع التعدد. قال البجيرمي: ويعلم من هذا أن غالب ما يقع من التعدد غير محتاج إليه، إذ كل بلد لا يخلو غالبا عن محل يسع الناس، ولو نحو خرابة، وحريم البلد. اه‍. (قوله: من غير لحوق مؤذ) متعلق باجتماعهم، أي اجتماعهم من غير لحوق مؤذ متعسر. وعبارة غيره: وعسر اجتماعهم بأن لم يكن في محل الجمعة موضع يسعهم بلا مشقة. اه‍. (وقوله: فيه) أي ذلك المكان الذي يجتمعون فيه. (قوله: كحر وبرد شديدين) تمثيل للمؤذي. (قوله: فيجوز إلخ) جواب إن الشرطية، وإنما جاز ذلك حين إذ عسر الاجتماع في مكان واحد، لان الشافعي - رضي الله تعالى عنه - دخل بغداد وأهلها يقيمون بها جمعتين، وقيل ثلاثا، فلم ينكر عليهم، فحمله الأكثرون على عسر الاجتماع. وقال الروياني: ولا يحتمل مذهب الشافعي غيره. وقال الصيمري، وبه أفتى المزني بمصر: ولكن ظاهر النص منع التعدد مطلقا. وعليه اقتصر الشيخ أبو حامد ومتابعوه. (وقوله: تعددها للحاجة) فإن كان التعدد زائدا على الحاجة فتصح السابقات إلى أن تنتهي الحاجة ثم تبطل الزائدات. ومن شك أنه من الأولين، أو من الآخرين، أو في أن التعدد لحاجة أولا، لزمته إعادة الجمعة. (وقوله: بحسبها) أي بقدرها، أي الحاجة. (قوله:
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست