واقع التقية عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية - ثامر هاشم حبيب العميدي - الصفحة ١٣٠
وثالثتها: إنه سئل عن الجهر ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم)، والإسرار به؟
فقال: لا أدري هذه المسألة!
فثبت أن الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب، فبقيت متعارضة، فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل. وأيضا ففيها تهمة أخرى، وهي: إن عليا عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر (بها) سعيا في إبطال آثار علي عليه السلام.
فلعل أنسا خاف منهم، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه، ونحن وإن شككنا في شئ فإنا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس وابن المغفل، وبين قول علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي بقي عليه طول عمره، فإن الأخذ بقول علي أولى. فهذا جواب قاطع في المسألة (1)، انتهى الوجه الأول من كلام الرازي حرفا بحرف.
قلت: إن ما احتمله الإمام الرازي من تقية الصحابي أنس في موافقته للأمويين على ترك البسملة في الصلاة، حقيقة واضحة لا مجرد احتمال، ويدل عليه قوله: لا أدري هذه المسألة، حين سئل عنها. وهذه هي تقية أخرى منه إزاء السائل. إذ كيف يجهل الجهر من الإسرار بالبسملة، وهو قد عاش عصر النبي (ص)، وعصر الخلفاء الراشدين، فضلا عن ملازمته للنبي الأكرم (ص) وخدمته، لولا أنه أوجس خيفة من السائل؟
وبعد.. فلا تعجب إن قلت لك: إن الإمام الرازي قد ختم كتابه المحصل

(1) التفسير الكبير / الرازي 1: 206 - في المسائل الفقهية المستنبطة من الفاتحة.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 133 134 135 136 ... » »»