لذلك الماء المستعمل وهو التأثير في رفع الحدث به وإزالة النجس إذا حصلتا له، وهما حاصلتان للماء النجس بهذا التقرير، فالمؤثر عند الشيخ في رفع الحدث به بلوغه كرا لا كونه طاهرا فقد صار كونه طاهرا وجود هذا الوصف له وعدمه سواء فقد تساويا في كونهما غير مطهرين وهو المنع من رفع الحدث وإزالة النجاسة العينية بهما، فلا فرق بينهما عنده من هذا الوجه بل هما متساويان في المنع من رفع الحدث بهما وفي كونهما غير مطهرين، وإن اختلفا في وجه غير مفيد للماء الذي سمى به ولا مكسب له حكما مؤثرا في رفع الأحداث به بل المكسب له والمؤثر في رفع الأحداث بلوغه كرا فحسب لا كونه طاهرا، فكان المانع له من رفع الحدث به نقصان مقداره عن الكر والرافع لهذا الحكم عنده زيادة مقداره وبلوغه الكر لا كونه طاهرا، فيجب أن يكون المانع من رفع الحدث بالماء النجس نقصان مقداره عن الكر، والرافع لهذا الحكم زيادة مقداره وهو بلوغه كرا، لأنه جعل الحكم الرافع للمنع في الماء المستعمل بلوغه الكر لا كونه طاهرا، وعلل بقوله: لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة، والتعليل قائم في الماء النجس الناقص عن الكر فإذا بلغه يجب أن يزول عنه ذلك الحكم لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة لأنه الحد المؤثر الذي بلغه الماء المستعمل، وهو المزيل لما كان عليه من المنع المؤثر في رفع الحدث به لا كونه طاهرا، فصار التعليل لازما للشيخ أبي جعفر رحمه الله كالطوق في حلق الحمام. فهذا الشيخ المخالف في الفتيا في هذه المسألة في بعض أقواله محجوج بقوله هذا الذي أوضحناه على ما ترى، فآل الأمر بحمد الله إلى اضمحلال الخلاف فيها، ولنا في هذا مسألة منفردة نحو من عشر ورقات قد بلغنا فيها أقصى الغايات وحججنا القول فيها والأسئلة والأدلة والشواهد من الآيات والأخبار فمن أرادها وقف عليها من هناك.
وأما مياه الآبار فإنها تنجس بما يقع فيها من سائر النجاسات قليلا كان الماء أو كثيرا، غيرت النجاسة الواقعة فيها أحد أوصاف الماء أو لم تغيره بغير خلاف بين أصحابنا.
ثم النجاسة الواقعة فيها على ضربين: منصوص عليها وغير منصوص عليها.