شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١١٨
والعلم إنما يحصل من شهود وجود التجليات المتكثرة المحيرة للعقول والأوهام و ظهور الأنوار الحقيقة العاجزة عن إدراكها البصائر والأفهام، وذلك عين الهداية.
لذلك قال أكمل البشر (رب زدني فيك تحيرا). أي هداية وعلما. فإن وجود اللازم يستلزم وجود الملزوم. بخلاف الحيرة الحاصلة من الجهل، فإنها الحيرة المذمومة. لذلك جعل الضلال الموجب للحيرة المذمومة في مقابلة الهدى الموجبة للحيرة المحمودة (والحيرة قلق وحركة) أي، تعطى القلق والاضطراب (والحركة حياة). أي، يستلزم الحياة. لأن الحركة لا تحصل إلا من الحي.
(فلا سكون، فلا موت،) أي، فإذا كانت الحركة حاصلة دائما، فلا سكون لمن يتحرك، وإذا لم يكن له السكون، فلا موت له، لأن السكون من لوازم الموت. ألا ترى أن سكون النبض كيف يصير علامة للموت.
(ووجود، فلا عدم) عطف على قوله: (حياة). أي، الحركة حياة و وجود. وإذا كانت الحركة مستلزمة للوجود، فلا عدم، لأنهما لا يجتمعان في محل واحد. والحاصل أن الهداية تعطى البقاء الأبدي.
(وكذلك في الماء الذي به حياة الأرض) أي، كما أن الحياة العلمية تعطى الهداية والسير في الناس (10) فتؤدى إلى البقاء الأبدي (11)، كذلك الأمر في الماء الطبيعي الذي به حياة الأرض، وهي البدن (وحركتها قوله: (واهتزت)) أي،

(١٠) - قوله: (والسير في الناس) إشارة إلى قوله تعالى: (وجعلنا له نورا يمشى به في الناس). و نظرا إلى الآية المباركة يندفع استبعاد بعض المحشين. (ج) (١١) - وليعلم أن الأمر الوجودي لا نهاية له، فإنه حقيقة واحدة ذات كمالات وصفات وأسماء فوق التناهي بما لا يتناهى. فإذا جهل الضال الحائر في أمر الوجود ولم يعلم وحدته، و زعم الأرض مثلا، التي هي تجل من تجلياته، أنها وجود مبائن له، فهو إذا جاهل بحقيقة ظهور من ظهوراته. ولما كان (كل يوم هو في شأن) فالجاهل الحائر كل يوم هو في شأن من الجهل قد ولما كان شؤون الوجود إلى غير النهاية، كان شؤون الجهل للجاهل إلى غير النهاية. ومن هنا ظهر وجه الحيرة للعالم. فاقرأ وارقأ. (ج)
(١١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1113 1114 1115 1116 1117 1118 1119 1120 1121 1122 1123 ... » »»