شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٩٤
(ألا ترى أن الظلال تضرب إلى السواد وتشير إلى ما فيها من الخفاء، لبعد المناسبة بينهما وبين أشخاص من هي ظل له).
لما كان كل ما في الخارج دليلا وعلامة لما في الغيب، (14) استدل بضرب الظلال إلى السواد على الخفاء الذي في الأعيان الغيبية، إذ السواد صورة الظلمة، كما أن البياض صورة النور. فضمير (فيها) و (بينها) يجوز أن يكون عائدا إلى (الظلال) وهو ظاهر. ويجوز أن يكون عائدا إلى (الأعيان)، لأنها المستشهد عليها. وتقديره: ألا ترى الظلال تشير - بضربها إلى السواد - إلى ما في الأعيان من الخفاء، لبعد المناسبة بين الأعيان وبين أشخاص من هي ظلال له، وهي الأسماء الإلهية. فإن كل عين ظل لاسم من الأسماء - ولا شك - لبعد المناسبة بينها وبين الأسماء، فإنها أرباب، وهي عبيدها.
(وإن كان الشخص أبيض، فظله بهذه المثابة).
(إن) للمبالغة. (ألا ترى أن الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر، تظهر سوداء. وقد يكون في أعيانها على غير ما يدركه الحس من اللونية. وليس ثمة علة إلا البعد، وكزرقة السماء. فهذا ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام الغير النيرة) ظاهر. (وكذلك أعيان الممكنات ليست نيرة، لأنها معدومة، وإن اتصفت بالثبوت، لكن لم تتصف بالوجود، إذ الوجود نور).
لما قال لبعد المناسبة بينها وبين اشخاص من هي ظل له، شرع في آثار البعد ولوازمه. وأراد ب‍ (الوجود) هنا الوجود الخارجي. وإنما كان الوجود الخارجي نورا، لأنه يظهر الأعيان في الخارج، فتطلع حينئذ على أنفسها وعلى مبدعها، و تعرف بعضها بعضا وتشاهده، بخلاف الثبوت فإنها حال كونها ثابتة في الغيب العلمي، لم يكن لها ذلك، للقرب المفرط. والثبوت العلمي، وإن كان نوعا من الوجود، لكن ليس له الظهور التام كما للوجود العيني. واعتبر من نفسك:

(14) - قال الإمام أبو الحسن الرضا، عليه وعلى أبنائه وآبائه السلام: (قد علم ذووا الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هيهنا).
(٦٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 689 690 691 692 693 694 695 696 697 698 699 ... » »»