الوحي ومباديه، الرؤيا الصادقة. لذلك قال، عليه وعلى آله السلام: (الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. وهي نصيب للمؤمنين منها).
(فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت معاينة مثل فلق الصبح). أي، ظهرت في الحس كما رأى مثل فلق الصبح. (تقول لا خفاء بها). تفسير لقولها - أي عائشة: (مثل فلق الصبح). وليس من تتمة قولها.
(وإلى هنا بلغ علمها لا غير. وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر، ثم جاءه الملك. وما علمت أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد قال: (إن الناس نيام، فإذا ماتوا، انتبهوا).) أي، ما علمت أن كل ما يظهر في الحس هو مثل ما يظهر في النوم. والناس غافلون عن إدراك حقائقها ومعانيها التي يشتمل تلك الصور الظاهرة عليها. فكما يعرف العارف بالتعبير المراد من الصور المرئية في المنام، كذلك يعرف العارف بالحقائق المراد من الصور الظاهرة في الحس، فيعبر منها إلى ما هو المقصود منها، لأن ما يظهر في الحس صورة ما يظهر في العالم المثالي، وهو صورة المعاني الفائضة على الأرواح المجردة من الحضرة الإلهية، و هي من مقتضيات الأسماء. فالعارف بالحقائق إذا شاهد صورة في الحس، أو سمع كلاما، أو وقع في قلبه معنى من المعاني، يستدل منها على مبادئها، ويعلم مراد الله من ذلك. ومن هذا المقام يقال: إن كل ما يحدث في العالم، كله رسل من الحق تعالى إلى العبد، يبلغون رسالات ربهم. يعرفها من عرفها، ويعرض عن المقصود منها من يجهلها. كما قال تعالى: (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون). لعدم انتبائهم، ودوامهم في نوم الغفلة. ولا يعرف هذا المقام إلا من يكاشف جميع المقامات العلوية والسفلية، فيرى الأمور النازلة من الحضرة الإلهية إلى العرش والكرسي والسماوات والأرض، ويشاهد في كل مقام صورته.
(وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال). و في بعض النسخ: (وكل ما يرى في حال اليقظة فهو من ذلك القبيل). الألف واللام في (النوم) للعهد. والمعهود النوم الذي في قوله، صلى الله عليه وسلم: