واسطة بينها وبين الحق، أو من المعاني المنتقشة في الأرواح العالية، فتلبس له صورة مثالية مناسبة مما في حضرة خياله من الصور، فينبغي أن يعبر، ليعلم المراد من الصور المرئية. وإبراهيم، عليه السلام، لم يعبرها، لأن الأنبياء والكمل أكثر ما يشاهدون الأمور في العالم المثالي المطلق، وكل ما يرى فيه لا بد أن يكون حقا مطابقا للواقع، فظن أنه، عليه السلام، شاهد فيه، فلم يعبرها، أو ظن أن الحق أمره بذلك، إذ كثير من الأنبياء يوحون في مناماتهم. فصدق منامه (8) (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام، فصدق إبراهيم الرؤيا).
أي، الكبش المفدى به، هو الذي كان مراد الله في نفس الأمر، فظهر في صورة إسحاق، لمناسبة واقعة بينهما. وهي إسلامه لوجه الله وانقياده لأحكامه. فصدق إبراهيم الرؤيا بأن قصد ذبح ابنه. (ففداه ربه من وهم إبراهيم). أي، من جهة وهمه (بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله، وهو لا يشعر). أي أظهر ربه ما كان المراد عنده، وهو الذبح العظيم الذي صوره خياله بمشاركة الوهم بصورة إسحاق، وإبراهيم لا يشعر أن المراد ما هو، لسبق ذهنه إلى ما اعتاده من الروية في العالم المثالي. ولما كان للوهم مدخل عظيم في كل ما يرى في المنام - إذ هو السلطان في إدراك المعاني الجزئية. قال: (من وهم إبراهيم) عليه السلام. و لأنه توهم أن المرئي لا ينبغي أن يعبر، فقصد ذبح ابنه (9)