شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦١٧
واسطة بينها وبين الحق، أو من المعاني المنتقشة في الأرواح العالية، فتلبس له صورة مثالية مناسبة مما في حضرة خياله من الصور، فينبغي أن يعبر، ليعلم المراد من الصور المرئية. وإبراهيم، عليه السلام، لم يعبرها، لأن الأنبياء والكمل أكثر ما يشاهدون الأمور في العالم المثالي المطلق، وكل ما يرى فيه لا بد أن يكون حقا مطابقا للواقع، فظن أنه، عليه السلام، شاهد فيه، فلم يعبرها، أو ظن أن الحق أمره بذلك، إذ كثير من الأنبياء يوحون في مناماتهم. فصدق منامه (8) (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام، فصدق إبراهيم الرؤيا).
أي، الكبش المفدى به، هو الذي كان مراد الله في نفس الأمر، فظهر في صورة إسحاق، لمناسبة واقعة بينهما. وهي إسلامه لوجه الله وانقياده لأحكامه. فصدق إبراهيم الرؤيا بأن قصد ذبح ابنه. (ففداه ربه من وهم إبراهيم). أي، من جهة وهمه (بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله، وهو لا يشعر). أي أظهر ربه ما كان المراد عنده، وهو الذبح العظيم الذي صوره خياله بمشاركة الوهم بصورة إسحاق، وإبراهيم لا يشعر أن المراد ما هو، لسبق ذهنه إلى ما اعتاده من الروية في العالم المثالي. ولما كان للوهم مدخل عظيم في كل ما يرى في المنام - إذ هو السلطان في إدراك المعاني الجزئية. قال: (من وهم إبراهيم) عليه السلام. و لأنه توهم أن المرئي لا ينبغي أن يعبر، فقصد ذبح ابنه (9)

(8) - لما كان الشارح من أصحاب القياس، قاس إبراهيم، عليه السلام، بنفسه في أنه، عليه السلام، قاس رؤياه هذه بسائر ما رأى في عالم المثال المطلق، مع أنه رأى في المثال المقيد. أو قاس، عليه السلام، ذلك على حال كثير من الأنبياء، عليهم السلام، من كونهم محل الوحي في المنام. وليس الأمر كما توهم الشارح. بل يمكن أن يكون حبه المفرط بمقام الربوبية وعشقه وخلته حجب عن أن يعبر رؤياه، فان العشق المفرط يوجب أن يفدى ما هو أحب عنده في طريق محبوبه. فالاستغراق في جمال المحبوب يمنعه عن أن يعبر، فالحقيقة غلبت على الشريعة، مع أن حكم الشريعة أنه (لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق).
هذا ما أفاد شيخنا العارف، دام ظله العالي. (الامام الخميني مد ظله) (9) - ليس الأمر كما ذكره الشارح، بل مراد المصنف من قوله: (من وهم إبراهيم) أن إطلاق الفداء على الكبش كان بحسب وهم إبراهيم، عليه السلام، فإنه توهم أنه مأمور بذبح ابنه مع أنه كان مأمورا بذبح الكبش، فذبح الكبش لم يكن فداء. بل التحقيق أن ما رأى إبراهيم، عليه السلام، هو حقيقة الفناء التام والاضمحلال الكلى في الحضرة الأحدية، و ذبح الابن والكبش هو رقيقة هذه الحقيقة، إلا أن الجمع بين الشريعة والحقيقة يقتضى ذبح الكبش، ولكن شدة محبة إبراهيم وعشقه احتجبه عن الجمع بينهما، فأراد ذبح الابن.
فالفداء يكون على وهم. فافهم. (الامام الخميني مد ظله)
(٦١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 612 613 614 615 616 617 618 619 620 621 622 ... » »»