جميع ما يحتاج إليه، كما قال تعالى: (أعطى كل شئ خلقه ثم هدى). ولا ترقى له إلى غير ما تعين له من الكمال. ولما كان جميع الموجودات حيا عالما بربه عند أهل الكشف والشهود، قال: (فالكل عارف بخلاقه). وقوله: (كشفا) أي، الكل يعرفون ربهم بالكشف الصحيح الحاصل لروحانيتهم عند الفطرة الأولى. أو:
نحن علمناه كشفا، ولما كان الكشف حجة لصاحبه دون غيره، قال: (وإيضاح برهان). أي، علمناه برهانا صريحا أيضا. والمراد ب (البرهان) ما يعطيه العقل المنور والشرع المطهر من الأدلة: منها قوله: (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض). وقوله: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). و (التسبيح) لا يكون إلا بعد المعرفة بأن له ربا يربه صاحب كمالات منزها عن النقائص الكونية. فنبه بعرفانهم وبعدم عرفان الثقلين، لأن الخطاب للأمة وهو، صلى الله عليه وسلم، مبعوث إليهما، فالجن أيضا داخل في قوله:
(ولكن لا تفقهون تسبيحهم). وأيضا الجن لا مدخل لهم في غيوب الموجودات لاحتجابهم عن الحقائق، كما قال: (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). ومنها ما رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري، قال:
(كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني، قدموني. وإن كانت غير صالحة، قالت لأهلها: يا ويلها، إلى أين تذهبون بها. يسمع صوتها كل شئ إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق). وروى الترمذي عن أبى أمامة: (أن رسول الله قال: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم). ثم، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في الماء، ليصلون على معلم الناس). و روى أبو داود والترمذي في باب فضيلة العلم عن أبى الدرداء في حديث طويل: (و أن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء). وعن سهل بن سعد (رض) قال: (قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يلبى إلا لبى من عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى ينقطع