شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٠٦
أصله. ونسب حكمته بالحقية لجعل إسحاق (ع) ما رأى أبوه في المنام حقا بأن قال: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين). أي اجعل ما رأيته في رؤياك محققا في الحس، ستجدني إن شاء الله صابرا على ذلك كما قال يوسف، عليه السلام: (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا).
(فداء نبي ذبح ذبح لقربان * وأين ثواج الكبش من نوس إنسان) اعلم، أن بين الفداء والمفدى عنه لا بد من مناسبة ومقاربة في الفداء، كما جاء في صورة القصاص، لذلك لا تقتل المسلم بالذمي والحر بالعبد. فقوله:
(فداء نبي) استفهام على سبيل التعجب. تقديره: أفداء نبي ذبح ذبح لقربان؟
فحذفت الهمزة، كما تقول: هذا قدري عندك. أي، أهذا قدري؟ و (ذبح) بفتح الذال، مصدر، وبكسرها اسم لما يذبح للقربان. و (الثواج) صوت الغنم. و (النواس) التذبذب والصوت عند سوق الإبل. يقال ناس: إبله. أي، ساقها.
وناس الشئ وإناسه، أي، ذبذبه وحركة، والمراد صوت الإنسان وحركته.
أي، كيف يقوم صوت الكبش وحركته عند الذبح مقام صوت الإنسان وحركته.
واعلم، أن ظاهر القرآن يدل على أن الفداء عن إسماعيل، وهو الذي رآه إبراهيم أنه يذبحه. وإليه ذهب أكثر المفسرين (1) وذهب بعضهم إلى أنه إسحاق. والشيخ (رض) معذور فيما ذهب إليه، لأنه به مأمور (2) كما قال في أول الكتاب.

(1) - لأنه قال تعالى أولا: (فبشرناه بغلام). وثانيا: (فلما بلغ معه السعي قال يا بنى...) بعد تمام قضية الذبح وذكر جزاء المحسنين قال: (فبشرناه بإسحق). ولا يخفى أن صريح الترتيب يشعر بمغايرة البشارتين والمبشرين بهما. (ج) (2) - قال شيخنا العارف الكامل، دام ظله العالي: إن الشيخ بحسب كشفه في عالم المكاشفة، رأى في العين الثابتة الإسحاقية اقتضاء هذا المعنى الذي ظهر في إسماعيل، عليه السلام، في عالم الملك من العبودية التامة والفناء التام، فأخبر عما ظهر عليه من العين الثابتة. و هذه المكاشفة صحيحة، إلا أن عدم الظهور في عالم الملك، لقوة العين الثابتة الإسماعيلية أو لمانع آخر. هذا. وقد استشكلت عليه بأن الظاهر من كلام الشيخ وقوعه بالنسبة إلى إسحاق في عالم الملك. فصدق ذلك. وقال، دام ظله: يمكن أن يكون كشفه صحيحا، إلا أن خياله لما كان مشوبا، تمثل له المعنى المجرد عن اللباس في عالم خياله بصورة إسحاق، عليه السلام. فإن المكاشفات تقع مجردة عن الصورة، ولكن الخيال يمثلها بأي صورة شاء بمجرد مناسبة. والغالب دخالة المأنوسات والمعتقدات في ذلك التمثل. هذا ما أفاد دام ظله. (الامام الخميني مد ظله) واعلم، أن الكشف الصريح المحمدي يدل على أن الفداء عن إسماعيل. وقد أطبق أئمتنا وساداتنا، الوارثين للعلوم والأحوال والمقامات المحمدية، على أن الفداء عن ذبيح الله إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام. وعليه جل أرباب التفسير والحديث من العامة. وأما ما قيل: إن الشيخ مأمور، والمأمور معذور. كلام خال عن التحصيل ولا يعبأ به. وما قيل: إن الشيخ رأى في حضرة الارتسام أن الفداء عن إسماعيل، ولما تنزل ما شهده في الخيال، ذهب وهمه إلى إسحاق من جهة كمال المناسبة بين عين الإسماعيل والإسحق. وأنت تعلم أن في كتاب الفصوص مواضع نقض وإشكال، لا يمكن توجيهها وتصحيحها. والقول بأن الشيخ مأمور معذور، ليس إلا استناد الخبط والاشتباه إلى الله أو إلى الرسول قد لأن المؤلف قد صرح في أوائل كتابه أن الملقى على خياله أو قلبه هو الرسول أو الله. وأما وجه تسمية الفص الإسحاقي بالحكمة (الحقية)، أنه لما كان أخص أحكام الصفات السلبية سلب الكثرة عن وحدة الحق، كانت الموجودات الصادرة عن الحق من حيثية الصفات السلبية التنزيهية أقربها نسبة إلى الوحدة وأبعدها من مرتبة الظهور. وهي للأرواح، بخلاف الصفات الثبوتية. وقد سبق أن أول حامل وظاهر بأحكام الصفات الثبوتية الخليل، عليه السلام، فلزم أن يظهر في ولده، الذي هو نتيجته، حكم عالم المثال الذي أعتبر مطابقته للواقع يسمى (حقا). (ج)
(٦٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 600 601 602 603 605 606 607 608 609 610 611 ... » »»