شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٩٩
الله تعالى ورسله بنفيه عنه ما أثبته هو لنفسه في مقامي جمعه وتفصيله. هذا في مقام الإلهية. وأما في مقام الأحدية الذاتية، فلا تشبيه ولا تنزيه (2) إذ لا تعدد فيه بوجه أصلا.
قال الشيخ في عنقاء المغرب مخاطبا للمنزه: (وغاية معرفتك به أن تسلب عنه نقائص الكون، وسلب العبد عن ربه ما لا يجوز عليه، راجع إليه، (3) وفي هذا

(٢) - مقصوده، أن التنزيه راجع إلى الأحدية الوصفية التي هي من تعينات الأحدية الذاتية، و أول طلوع التشبيه وظهوره إنما يكون في المرتبة الواحدية والقدر الأول وتعين الذات بالأسماء والأعيان الثابتة والحضرة الإمكانية. (ج) (٣) - قوله: (وسلب العبد عن ربه ما لا يجوز عليه، راجع إليه). أي، إذا أراد العبد أن ينزه ربه و سلب ما لا يجوز عليه، لا بد أن يتصوره بصورة عقلية، ويسلب عنها ما أراد أن يسلب. و تلك الصورة العقلية متعينة بالتعين العقلي وغير مطابقة لربه، لتحددها وتقيدها، وعدم التحدد والتقيد للرب الموجود في الخارج، فلا يسرى ولا يجرى حكمها عليه بعدم المطابقة، فإن الأحكام الجارية على الأشياء تتعلق أولا بالصور العقلية، ولمطابقتها للموجودات الخارجية تتعلق بها. فالتنزيه والسلب راجع إلى تلك الصورة العقلية، ليس للحق الأول. ثم، تلك الصورة متحدة بعاقلها، لاتحاد العاقل والمعقول، فالتنزيه راجع إلى العبد نفسه لا إلى ربه. وفي هذا المقام قال أبو يزيد البسطامي: (سبحاني ما أعظم شأني). وما قال: سبحان الله ما أعظم شأنه. نزه نفسه وما نزه ربه. قال في مصباح الأنس، نقلا عن المفصحة للكامل المكمل المعنوي العارف المتأله، شيخ صدر الدين القونوي، قدس الله روحه: (والحق في كل متعين، عقلا أو ذهنا أو حسا، غير متعين ولا ممازج ولا مماثل ولا مقيد، إلا من حيث امتياز حقيقته عن كل شئ بوجوب الوجود و الأولوية ونحوهما. فعلمنا أن تعين الحق في كل تعقل لا يمكن أن يكون مطابقا لما عليه الحق في نفسه ولا نفيه عند نفسه، فكل حكم يترتب على ذلك التعقل، سلبا أو إثباتا، إنما هو مضاف إلى هذه المتعين المتشخص في تصور العاقل، لا للحق من حيث علمه بنفسه إذ لا مطابقة، فلا علم ولا حكم يصح). إنتهى عبارته. قوله: (فكل حكم يترتب...). صريح فيما بينته - (سبحان ربك رب العزة عما يصفون). عقل مى گفت كه چونست صفات تو چون عشق زد بانگ كه سبحانك عما يصفون. فإن قلت: فالباب مسدود والسبيل محدود. قلت: والله يقول الحق وهو يهدى السبيل، والخيال لا يسعه المجال، لكنه يفعل: پريرو تاب مستورى ندارد چو در بندى سر از روزن بر آرد. فالحل ما أفادنا مفيدنا ومن ينتهى إليه سبيلنا، إمام المعارف ومحتد العوارف، صدر المحققين و بدر المتألهين، الصدر الدين الشيرازي، رفع الله مقامه، من الفرق بين العلم بالشئ بوجه، وبين العلم بوجه الشئ. والأحكام في الأول يرجع إلى الشئ، وفي الثاني يرجع إلى الوجه. فالصورة العقلية قد يؤخذ على الوجه الأول ويرجع الأحكام إليه تعالى، وبهذا الاعتبار يستوى السبيل ويفتح الباب، وقد يأخذ على الوجه الثاني ويرجع الأحكام إلى الوجه، وبهذا الاعتبار يسد السبيل ويغلق الباب. فإن قلت: فالمنزه يأخذها على الوجه الأول، ويكون حينئذ تنزيهه تنزيه الحق لا تنزيه نفسه. قلت: المنزه الواقف في التنزيه يحدد الحق ويقيده في التنزيه فيطابق الصورة العقلية له، فيكون التنزيه تنزيه الصورة لا تنزيه الذات، ويرجع إلى تطهير المحل كما علمت. فإن قلت: فما تفعل في أبى يزيد وقوله:
(سبحاني ما أعظم شأني)؟ أقول: لأولياء الله في قربه تعالى مقامات وظهورات: فقد يظهرون بالتنزيه، وهذا في قرب النوافل، وحينئذ هم مشركون بالله شركا خفيا، فإن ظهروا بمقامهم، يصير ذلك الشرك الخفي جليا ويستحقون القتل، كما اعترف به نفسه، فإنه قال: (إلهي، إن قلت يوما سبحاني فها أنا كافر مجوسي، فاقطع زناري وأقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله). أي، جاوزت عن الشرك لظهور قرب الفرائض، وأقول: التوحيد الذي يدل عليه كلمة التهليل لخواص أوليائك وبلغه رسولك محمد، صلى الله عليه وآله. وهو التنزيه الإطلاقي المجامع للتنزيه والتشبيه، و ينفى الغير بالكلية: فإن الوجود ليس بعده إلا العدم المحض، وليس للعدم المحض أثر.
(للشيخ الكامل أستاذنا ميرزا محمد رضا قمشه‌اى)
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 493 494 495 497 498 499 500 501 502 503 504 ... » »»