شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٩٨
(اعلم، أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد.
والمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب). اعلم، أن التنزيه إما أن يكون من النقائص الإمكانية فقط، (1 - 1) أو منها ومن الكمالات الإنسانية أيضا. وكل منهما عند أهل الكشف والشهود تحديد للجناب الإلهي وتقييد له، لأنه يميز الحق عن جميع الموجودات ويجعل ظهوره في بعض مراتبه، وهو ما يقتضى التنزيه دون البعض، وهو ما يقتضى التشبيه، كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر وغير ذلك. وليس الأمر كذلك. فإن الموجودات بذواتهم ووجوداتهم وكمالاتهم كلها مظاهر للحق، وهو ظاهر فيهم ومتجل لهم: (وهو معهم أينما كانوا). فيه ذواتهم ووجودهم وبقاؤهم وجميع صفاتهم، بل هو الذي ظهر بهذه الصور كلها، فهي للحق بالأصالة، وللخلق بالتبعية. فالمنزه إما جاهل بالأمر على ما هو عليه، أو عالم بأن العالم كله مظهره. فإن كان جاهلا وحكم بجهله على الله وقيده في بعض مراتبه، فهو جاهل وصاحب سوء أدب، وإن كان عالما به، فقد أساء الأدب مع

(1 - 1) - قوله: (اعلم، أن التنزيه إما أن يكون من النقائص الإمكانية...). أقول: صورة القياس: أنه تعالى لو كان منزها، لكان محدودا مقيدا، والتالي باطل، فالمقدم مثله. أما الملازمة فظاهرة. وأما بطلان التالي: فلأن التالي ينافيه العيان والبرهان والديانة. أما العيان، لقد مر أنه الوجود المطلق، والمطلق ليس بمقيد ومحدود. وأما البرهان، فلأنه لو كان محدودا ومقيدا يلزمه التعطيل، لأنه بتحدده وتقيده يباين الأشياء، وليس فيه حيث وحيث ولا جهة وجهة، فيباين الأشياء بكل الوجوه وبتمام ذاته الأقدس، فلا يصدر عنه شئ من الأشياء. ولأن المبائن لا يصدر عن المبائن والغير لا يصدر عن الغير - إذا كانت الغيرية غيرية تامة ومن كل الوجوه - (قل كل يعمل على شاكلته). وأما الديانة، فلأنه، عز شأنه، أثبت لنفسه ما ينفيه التنزيه، مثل السمع والبصر والعلم والإرادة الزائدتين، و سائر صفات الأكوان حتى القرض والمرض والاستهزاء والضحك بلسان نبيه، بل جميع صفات الأكوان بقوله: (هو معكم أينما كنتم). بل أخبر عن نفسه بأنه (هو الأول والآخر والظاهر والباطن). ولما كان أكثر الناس بمعزل عن العيان والديانة أطوع من البرهان، أشار الشيخ إلى بطلان التالي بالديانة، فقال: (فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب).
والمنفصلة مانعة الخلو. (للأستاذ العارف بالله ميرزا محمد رضا قمشه‌اى - رض)
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 491 493 494 495 497 498 499 500 501 502 503 ... » »»