في صورة النطفة الملقاة في الرحم، وإليه عاد بصيرورته إنسانا داخلا في حده و حقيقته. وفيه إشارة إلى أن آدم أيضا سر الحق، لأنه منه ظهوره وإليه عوده، لذلك قال كاشف الأسرار الإلهية، خاتم الولاية الكلية: (إني ذاهب إلى أبى و أبيكم السماوي). فأطلق اسم (الأب) على الحق في الحقيقة، وإن كان ظاهرا مطلقا على (روح القدس).
(فما أتاه غريب لمن عقل عن الله) بالعين المهملة والقاف بعدها. وفي بعض النسخ بالغين المعجمة والفاء بعدها. فعلى الأول (ما) للنفي. أي، ما أتاه غريب، بل هو من عينه لا من خارج عنه. (لمن عقل عن الله) أي، فهم وأدرك الحقائق من الله. وعلى الثاني بمعنى (الذي). أي، فالذي أتاه غريب لمن يكون غافلا عن الله وأفعاله وأسراره. والأول أصح. وقوله (عن الله) يجوز أن يتعلق بقوله: (غريب) أي، فما أتاه غريب من الله، بل أتاه من عينه عند من عقل عينه وعرف استعداده. ويؤيد هذا المعنى قوله: (فما في أحد من الله شئ، ولا في أحد من سوى نفسه شئ) فمن عرف أن الله لا يوجد شيئا إلا على ما يعطيه عين ذلك الشئ، فلا يستغرب ذلك. ويقال: أتاه وأتى به وأتى عليه. كما يقال: جاءه وجاء به وجاء عليه. قال الله تعالى: (هل أتيك حديث الغاشية).
(وكل عطاء في الكون على هذا المجرى) أي، جميع العطايا التي تنزل من الحضرة الإلهية على أيدي الأسماء على أرواح الكمل، ومنها على ما تحتها من أرواح العباد، ليس إلا منهم وإليهم، فإن أعيانهم الثابتة اقتضت ذلك بحسب قابليتهم، والحق تعالى يوجد ما هي قابلة له.
(فما في أحد من الله شئ ولا في أحد من سوى نفسه شئ. وإن تنوعت عليه الصور) أي، إذا كان الأمر بحسب قابليتهم، فما في أحد من الله شئ سوى الوجود، ولا في أحد من سوى نفسه شئ، فإن كل ما يظهر على أحد، فهو اقتضاء عينه، والحق يعطى الوجود بحسبه، وإن كانت الصور الفائضة على ذلك الشئ الظاهر متنوعة، وذلك التنوع أيضا راجع إلى الأعيان. والمراد هاهنا، ما يترتب على الفيض المقدس لا الأقدس، وإلا يكون مناقضا لقوله: (فالأمر كله