يجد التنوع في الصور التي في المرايا المتعددة مع أنه عالم بأنها صورته لا غير.
(فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول وإن كان يعرفه مجملا). لما ذكر أن العطايا بحسب القوابل يتنوع، أعاد كلامه في الاستعداد. و (الفاء) في (فمن عرف) للنتيجة. أي، فمن عرف صورة استعداده وما يعطيه في كل وقت، عرف صورة قبوله، أي صورة ما يقبله ذلك الاستعداد، فإن العلم بالعلة للشئ، من حيث هي علة له، يوجب العلم بمعلولها. وليس كل من يعرف قبوله لشئ يعرف ما هو سبب لذلك القبول، إلا مجملا، ولا يعرفه مفصلا إلا بعد القبول، فإنه حينئذ يعرف ذلك الاستعداد المعين مما قبله.
(إلا أن بعض أهل النظر (39) من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه). لما قرر أن الله لا يعطى لأحد شيئا إلا ما يقتضيه حقيقته وتطلبه من حضرته، فكان أهل الظاهر يعتقدون أن الحق فعال لما يشاء في الأزل مع قطع النظر عن حكمته وفعال لما يريد في الأبد مع قطع النظر عنها وعن اقتضاء الأعيان تلك الأفعال، استثنى قولهم. فهو استثناء منقطع. وإنما نسب عقولهم إلى الضعف، لأنهم ما شاهدوا الأمر على ما هو عليه في نفسه، ولا اطلعوا على سر القدر، وزعموا أن الحق يفعل الأفاعيل من غير حكمة، حتى جوزوا عليه تعذيب من هو مستحق للرحمة وتنعيم من هو مستعد للنقمة. تعالى عن ذلك علوا كبيرا. ومنشأ زعمهم هذا أنهم حكموا بمفهوم (المشية) وإثباتها له تعالى، وما عرفوا أن المشية متعلقة بالفيض الأقدس، كما قال تعالى: (أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل). أي، الوجود الخارجي، (40) (ولو شاء لجعله ساكنا). أي، منقطعا