شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٦٩
المراتب والمقامات لم يعسره قبول مثل هذا الكلام). تقدمه على الأسماء الإلهية إشارة إلى ما جاء في الحديث: إن رسول الله، عليه السلام، هو أول من يفتح باب الشفاعة، فيشفع في الخلق، ثم الأنبياء، ثم الأولياء، ثم المؤمنون، وآخر من يشفع هو أرحم الراحمين. ومن يفهم ويطلع على أحدية الذات الظاهرة في المراتب المتكثرة وعلى أن كل موجود له سيادة في مرتبته، كما أن لكل اسم سلطنة على ما يتعلق به، لا يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام (21) أ لا ترى أن (الرحمن) مع أنه اسم جامع للأسماء وله الحيطة التامة، يشفع عند (المنتقم) الذي هو من سدنته بعد شفاعة الشافعين كلهم وذلك التأخر لا يوجب نقصه. وسر ذلك أن (الرحمن) جامع للأسماء الإلهية ومن جملتها (المنتقم)، فهو الذي ظهر يوم القيامة بصفة الانتقام وصار منتقما، كما ظهر في مواطن أخر الدنياوية والأخراوية بصفة الرحمة المفهومة من ظاهر اسمه، (22) ولهذا قال تعالى حكاية عن إبراهيم: (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن). فظهر سر الأولية في الآخرية في هذه الشفاعة.
(وأما المنح الأسمائية، فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم. وهي كلها

(21) - فإن الذات الظاهرة في مراتب التعينات المكتسية كسوة الكائنات بمقام أحدية جمعها في المظهر الأتم، مقدمة عليها في المظاهر الأخرى والأسماء المحاطة لرب المظهر الأتم، و بالجملة، تقدم المظهر الأتم على الاسم (الرحمن) تقدم الله عليه بمقام أحدية الجمع المحيطة على سائر الأسماء لمكان اتحاد الظاهر والمظهر، فالذات بمقام جمعها مقدم على نفسها. (الإمام الخميني مد ظله) (22) - قوله: (وسر ذلك أن الرحمن...). ولعل (الرحمن) الذي يشفع عند (المنتقم) لم يكن من الأسماء المحيطة الشاملة له أيضا، بل من الرحمة الخاصة المحضة التي لا تكون في باطنها نقمة أصلا، فحكومة أرحم الراحمين حكومة غير مشوبة بالانتقام والسخط، وإن كانت صورة الرحمة هي النارا، فإن الخلود في النار لا ينافي التذاذ أهلها بها، بناء على مذهب من يرى عدم الخلود في اليم العذاب، كالشيخ ومن تبعه، وإن كان الخلود في النار من الضروريات. (الإمام الخميني مد ظله)
(٤٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»