شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٧٠
من الأسماء: فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا، الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن، فهو عطاء رحماني. وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكريه الذي يعقب شربه الراحة، وهو عطاء إلهي. فإن العطايا الإلهية لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء). لما فرع من تقرير التجليات الذاتية، وما انجر الكلام إليه، شرع في تقرير التجليات الأسمائية ومنحها، فقال: (اعلم، أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم) أي، إن المنح والعطايا كلها لا تفيض إلا من الحضرة الإلهية المشتملة على الذات والصفات، لكن لا من حيث ذاتها بل من حيث صفاتها وأسمائها. وأول ما يفيض عليهم رحمة الوجود والحياة، ثم ما يتبعهما. وهي ينقسم ثلاثة أقسام: رحمة محضة بحسب الظاهر والباطن، ورحمة ممتزجة. وهي إما في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة، أو بالعكس. كما قال أمير المؤمنين، عليه السلام: (سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته، واشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته). الأولى، كالرزق اللذيذ الطيب، أي الحلال في الدنيا، وكالعلوم والمعارف النافعة في الآخرة. والثانية، كالأشياء الملائمة للطبع، كأكل الحرام و شرب الخمر وسائر الفسوق الموافقة للنفس المبعدة للقلب عن الحق. والثالثة، كشرب الدواء الكريه الذي يعقب شربه الراحة والصحة. والأولى عطاء رحماني بحسب ظهور الرحمة المحضة منه، هذا من حيث إنه صفة مقابلة للإسم (المنتقم) لا من حيث إنه اسم الذات مع جميع الصفات، كقوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن). والثانية والثالثة عطاء إلهي، أي باعتبار جامعيته للصفات لا باعتبار الذات. فلا يمكن إلا على يد سادن من السدنة، أي خادم من خدمة الأشياء، لأن العطاء لا بد أن يكون معينا. وإذا كان كذلك، ينسب إلى اسم يقتضيه فينسب إليه: (فتارة يعطى الله العبد على يدي الرحمن، فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت) أي، في الحال وإن كان غير خالص في المآل. فإن أمثال هذه العطايا الموافقة للطبع غالبا مما يتضمن النقمة، فتدخل تحت حكم (المنتقم) في الدنيا أو في الآخرة. (أو لا ينيل الغرض) أي، يخلص (*)
(٤٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»