بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١١٣
تجوز، فليست عللا حقيقية، وإنما هي مقربات تقرب المادة إلى إفاضة الفاعل، كورود المتحرك في كل حد من حدود المسافة، فإنه يقربه إلى الورود في حد يتلوه، وكانصرام القطعات الزمانية، فإنه يقرب موضوع الحادث إلى فعلية الوجود.
الفصل الثالث في وجوب وجود المعلول عند وجود العلة التامة ووجوب وجود العلة عند وجود المعلول (1) إذا كانت العلة التامة موجودة، وجب وجود معلولها، وإلا جاز عدمه مع وجودها، ولازمه تحقق عدم المعلول لعدم العلة من دون علة.
وإذا كان المعلول موجودا، وجب وجود علته، وإلا جاز عدمها (2) مع وجود المعلول، وقد تقدم أن العلة - سواء كانت تامة أو ناقصة - يلزم من عدمها عدم المعلول (3).
ومن هنا يظهر: أن المعلول لا ينفك وجوده عن وجود علته، كما أن العلة التامة لا تنفك عن معلولها.
فلو كان المعلول زمانيا موجودا في زمان بعينه، كانت علته موجودة واجبة في ذلك الزمان بعينه، لأن توقف وجوده على العلة في ذلك الزمان، فترجيح العلة لوجوده وإفاضتها له في ذلك الزمان، ولو كانت العلة موجودة في زمان آخر

(1) اعلم أن العلة - كما سبق - ذات تؤثر في الشئ وجودا من حيث هي مؤثرة بالفعل، فإن كانت الذات تؤثر في الشئ من دون أن تتأثر من غيره فهي العلة التامة وإلا فهي العلة الناقصة. ومن هنا يظهر أن الذات لا تصير علة ولا تتصف بالعلية ما لم يؤثر في غيره، فالذات من حيث هي، لا من حيث هي مؤثرة، وقبل أن تؤثر تخلفت عن وجود المعلول لأنه حينئذ لم تصر علة ولم تتصف بالعلية، ومن حيث هي مؤثرة وبعد أن تؤثر يمتنع تخلفها عن وجود المعلول. فالأولى أن يقال: إذا صارت الذات علة تامة فيمتنع تخلف المعلول عنها، لأن الذات لم تصر علة إلا أن تؤثر في الشئ وجودا، والتأثير غير منفك عن الأثر، فإن نسبة الأثر إلى المؤثر كنسبة الظل إلى الشاخص.
(2) أي عدم علته.
(3) في الفصل السابق.
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»