بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١١٥
ومعلولها سنخية ذاتية ليست بين الواحد منهما وغير الآخر، وإلا جاز كون كل شئ علة لكل شئ وكل شئ معلولا لكل شئ، ففي العلة جهة مسانخة لمعلولها، هي المخصصة لصدوره عنها، فلو صدرت عن العلة الواحدة - وهي التي ليست لها في ذاتها إلا جهة واحدة - معاليل كثيرة بما هي كثيرة متباينة غير راجعة إلى جهة واحدة بوجه من الوجوه، لزمه تقرر جهات كثيرة في ذاتها وهي ذات جهة واحدة، وهذا محال (1).
ويتبين بذلك: أن ما يصدر عنه الكثير من حيث هو كثير، فإن في ذاته جهة كثرة (2).
ويتبين أيضا: أن العلل الكثيرة لا تتوارد على معلول واحد (3).
الفصل الخامس في استحالة الدور والتسلسل في العلل أما استحالة الدور - وهو توقف وجود الشئ على ما يتوقف عليه وجوده، إما بلا واسطة، وهو " الدور المصرح " وإما بواسطة أو أكثر، وهو " الدور المضمر " -، فلأنه يستلزم توقف وجود الشئ على نفسه، ولازمه تقدم الشئ

(1) هذا البيان جامع لأكثر البراهين. وادعى بعض المحققين بداهة المسألة، كما قال المحقق اللاهيجي في شوارق الإلهام: 210: " فالحق ما ذكره الشارح القديم من أن الحكم بأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد بديهي لا يتوقف إلا على تصور طرفيه ". وقال المحقق الطوسي في شرح الإشارات 3: 122: " وكان هذا الحكم قريبا من الوضوح ".
(2) لأن الكثير من حيث هو كثير لا يناسب الواحد من حيث هو واحد، فالكثير من حيث هو كثير لا يكون إثرا للواحد بما هو واحد، والا لزم أن يكون الواحد من حيث هو واحد كثيرا، وهذا ضروري البطلان.
(3) والوجه في ذلك أنه لو كان كل واحدة من العلل علة مستقلة لذلك المعلول الواحد، لزم احتياج المعلول الواحد إلى كل واحدة منها، لكونها علة له، ولزم استغناء ذلك المعلول عن كل واحدة منها لكون الأخرى مستقلة في عليته، وهو محال للزوم اجتماع النقيضين.
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»