بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١١٠
الفصل الأول في إثبات العلية والمعلولية وأنهما في الوجود قد تقدم أن الماهية في ذاتها ممكنة تستوي نسبتها إلى الوجود والعدم، وأنها في رجحان أحد الجانبين محتاجة إلى غيرها (1)، وعرفت أن القول بحاجتها في رجحان عدمها إلى غيرها نوع تجوز، وإنما الحاجة في الوجود، فلوجودها توقف على غيرها (2).
وهذا التوقف لا محالة على وجود الغير، فإن المعدوم من حيث هو معدوم لا شيئية له، فهذا الموجود المتوقف عليه في الجملة هو الذي نسميه: " علة "، والماهية المتوقفة عليه في وجودها: " معلولتها " (3).

(1) في الفصل السابع والثامن من المرحلة الرابعة.
(2) في الفصل العاشر من المرحلة الأولى.
(3) اعلم أنهم اختلفوا في تعريف العلة والمعلول.
قال الشيخ الرئيس في رسالة الحدود: " إن العلة هي كل ذات يلزم منه أن يكون وجود ذات أخرى إنما هو بالفعل من وجود هذا الفعل، ووجود هذا بالفعل من وجود ذلك بالفعل "، راجع رسائل ابن سينا: 117. وقال في عيون الحكمة: " السبب هو كل ما يتعلق به وجود الشئ من غير أن يكون ذلك الشئ داخلا في وجوده أو محققا به وجوده ". وناقش فيه فخر الدين الرازي في شرح عيون الحكمة 3: 45.
وقال المحقق الطوسي: " كل شئ يصدر عنه أمر إما بالاستقلال أو بالانضمام، فإنه علة لذلك الأمر، والأمر معلول له "، راجع كشف المراد: 114. وأورد عليه القوشجي في شرح التجريد: 112، ثم قال: " فالصواب أن يقال: العلة ما يحتاج إليه أمر في وجوده ".
ولهم في كتبهم عبارات شتى غير ما ذكر في تعريف العلة والمعلول. ويمكن القول بأن:
العلة هي ما يؤثر في الشئ في الوجود، والمعلول ما يتأثر منه في الوجود، وبتعبير آخر:
العلة ذات تؤثر في الشئ وجودا من حيث هي مؤثرة بالفعل، والمعلول ذلك الشئ المتأثر من حيث هو متأثر بالفعل. فإن كان المؤثر مؤثرا غير متأثر فهو العلة التامة وإن كان مؤثرا هو متأثر عن المؤثر الآخر فهو العلة الناقصة.
ومن هنا يظهر أن العلة التامة منحصرة في الله عز وجل.
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 110 111 112 113 114 115 ... » »»