فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ٥٥٥
والحيوانات وغيرها فان لها كلها أربعة أحوال أعني ابتداء الشئ ثم نموه ونشوه ثم انتهائه ثم انحطاطه فقد بان بما وصفنا ان الأشياء كلها متناهية محدودة وان من لا نهاية له ولا نفاد لملكه هو الخلاق الحكيم تبارك اسمه وتعالى ذكره، ففي هذا دليل على أن الأشياء كلها مصنوعة وصانعها فرد واحد لا يشبهه شئ من المصنوعات لان كل مصنوع محدود منعوت معدود ولكل معدود له أول وآخر فالفلك ذو نهاية وصانعه اذن غير ذي نهاية لان الشئ لا يصنع مثل نفسه ولا يشبه الصانع شيئا من خلقه ولو كان شبيها به لكان محدودا مثله، والأشياء التي تدركها الابصار يشبه بعضها بعضا في أشياء كثيرة فكل ما يرى ويتشابه فهو محدود وكل محدود محمول وكل محمول مفعول به ناقص وكل ناقص إلى الفناء والزوال، والعالم مركب محدود مفعول به فهو اذن ناقص زائل ولو كان قديما لم تختلف اجزاؤه ولم تتفاسد لان من عين المحال ان يكون في جوهر القدم تفاسد واختلاف أو أن يكون قديم حيا وقديم ميتا وقديم منيرا وقديم يحرق قديما وقديم يحترق من قديم أو قديم يستحيل ويتغير صاعدا وقديم مظلما هابطا وقديم قاتلا آكلا وقديم مأكولا مقتولا إلى قديم مثله كالماء الذي يستحيل هواء والهواء نارا فان هذه كلها احداث وفساد والقديم لا يحدث فيه الاحداث ولا يفسد.
وقد ظن قوم ان هذه الطبائع من أصلين متعادين هما النور والظلمة وان صاحب الظلمة غزا صاحب النور حتى اختل به وأفسد عليه تدبيره وغلب على كثير من اجزائه، فإن كان صاحب النور لم يعلم بما أراد عدوه ولم يقدر ان يدفعه حتى علم به فهو اذن ناقص العلم والمقدرة مغلوب والنقصان والعجز من علامات الفناء والفساد، وان كان صاحب النور يحب الغلبة ولا يقدر فهو عاجز ناقص وان كان لا يحب الغلبة على عدوه ولا يجتهد لابطاله فهو
(٥٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 560 ... » »»