العلة الأولى، فاما الأشياء التي بعدت من العلة الأولى فإنها لما لم يكن لها وجود شخصي عددي أحدثت لها الطبيعة الوجود الصوري يعني بالعددي والشخصي ان الأفلاك والكواكب موجودة بأنفسها أبد الدهر، فاما الأشياء الأرضية فإنها تبقى بصورها قط ولا تبقى باشخاصها، فإذا فسدت صورة انسان أو فرس أو شجر صارت صورة أخرى وقامت مقامها إلى انقضاء الدنيا بما فيها، وقال الفيلسوف أيضا ان الأفلاك والكواكب كرية مستديرة وانما جعلها الله كذلك لان المستدير أكرم الاشكال وأوسعها وأوليها بان يحفظ بجميع الاشكال وأطولها دواما على حال واحد وأخفها حركة من سائر الاشكال، فاما المثلثة والمركبة وغيرهما فإنما يتركب من خطوط كثيرة وأسرع انحلالا وانتقاضا لكثرة اجزائها وخطوطها والجرم المستدير يجمع من النور ما لا يجمعه المربعة وغيرها، وقال إن الاجرام السماوية مصنوعة من لباب الطبيعة و صفوها وليست من الأمهات الأربع، ولو كانت منها لتغيرت و استحالت كما تتغير تلك الأمهات ولتحركت هي أيضا مثل حركة هذه الأمهات اما إلى فوق مثل النار واما إلى أسفل مثل الأرض والماء وليست حركتها كذلك بل الدوران الدائم الذي لا سكون معه وقالت الفلاسفة ان علة حركتها وكل متحرك في العالم النفس وعلة حركة النفس الخالق الأزلي الدائم تبارك وتعالى، وقالوا انه يحرك الخلق من غير أن يتحرك هو عز وجل، فلو تحرك هو أيضا لكانت حركته اما من ذاته واما من غيره ولو كان في ذات الله التحرك لانتقل من حال إلى حال آخر لان الحركة الانتقال من مكان إلى مكان وذلك من صفات الأجسام المحتاجة إلى أماكن تكون فيها والله تبارك اسمه وجل ثناؤه ليس بجسم ولو كان جسما لكان متغيرا محدودا كما تحد وتتغير الأجسام، فقد بان
(٥٤٢)