صب فيها الماء من الطرف الأعلى في حلق من به خناق فيسيغ الماء، وسأذكر في باب الرد على من أبطل الطب أشياء من هذا الجنس طريفة كثيرة ان شاء الله، الباب الثاني في عدد المذاقات وعللها وقواها، قال جالينوس ان المذاقة أبلغ في معرفة قوى الأشياء من الرائحة واللون لان الفم إذا وقع فيه أحاط به كله والرائحة لا تصل إلى الانف الا متفرقة في الهواء، فاما اللون فلا يقاس فيه القول فليس كل احمر حارا ولا كل ابيض باردا والنورة حارة والثلج بارد وكلاهما يشتبهان في اللون، فالشئ اما ان تكون له مذاقة و اما أن لا تكون له مذاقة لغلبة الرطوبة عليه مثل الماء أو لغلبة الأرضية مثل افليميا والتوتيا أو لغلبة الهوائية عليه مثل بياض البيض والزيت المغسول وسائر الأشياء التي تغلب عليها كثرة الرطوبة، وقد بينا انفا ان قوة الطبيعتين المفعولتين أخف واضعف وقوى الفاعلتين أبين وأقوى فالشئ الذي له مذاقة اما ان يحدث في اللسان لذة لأنه معتدل حار رطب شبيه بمزاج الأبدان فالبدن يستلذ العسل و الماء الفاتر واما ان يحدث لذعا للسان وكراحة، وعلة ذلك اما برودة فيه مفرطة فتنقبض بها اجزاء اللسان أو رطوبة بها مثل الأشياء العصفة، واما حرارة مفرطة تفرق اجزاء اللسان ورطوبته مثل الأشياء المرة والحريفة والأشياء التي تقبض اجزاء اللسان قبضا شديدا فهي اما عفصة أرضية مثل العفص وقشور الرمان واما لطيفة مائية قابضة مثل الرمان المر، والشئ العفص عفصي يحدث خشونة في اللسان وتجفيفا والقابض يفعل فعله الا انه اخفى فعلا منه، والمالح يجلو اللسان ويغسله والمر يجلو أكثر من جلاء
(٣٥٧)