فردوس الحكمة في الطب - إبن سهل الطبري - الصفحة ١١٧
الباب الثاني في اقدار الأغذية وما ينبغي ان يقدم منها أو يؤخر، قال أبقراط الحكيم ان الناس في دهرنا هذا اخذوا من الطعام فوق طاقتهم فهلك كثير منهم بذلك وخلطوا الطعام القوي بالطعام الضعيف واللين مع اليابس، فلما استقر ذلك في معدتهم انهضم اللين وبقي اليابس في المعدة، وتولدت منه الأمراض فصاروا يغتذون بطعام السباع، فلما كثرت فيهم الأمراض تجنبوا عند " تزايد " العلة الطعام الغليظ الذي نسميه طعام السباع فانتفعوا بذلك، وقال جالينوس انه ينبغي ان يوكل أولا ما لان من الغذاء ثم يوكل بعده اليابس، لان الطعام اللين ينهضم سريعا ويسهل خروجه ويخرج اليابس بعده، وذكر ان شاعرا شكى اليه ضعف معدته وانه لا يستقر فيها الطعام بل يتقيأه، وانه حضر طعامه يوما فوجده يبدأ بأشياء قابضة مثل السفرجل والكمثرى، ثم يأخذ بعد ذلك بقولا مطبخة، فكانت تلك الأشياء القابضة تعصر المعدة من أسفلها فتري المعدة بما فيها إلى فوق، وانه امره ان يبدأ بأكل البقول المطبخة اللينة ثم يأكل الأشياء القابضة بعده فلما فعل ذلك ليس انه انقطع القئ فقط لكنه أسهله، لان الأشياء القابضة عصرت المعدة من فوقها فأزلقت تلك البقول المطبخة إلى أسفل وانحدرت تلك القابضة في اثرها، وقال غيره ان للأغذية أربعة حدود أولها وقت الغذاء ثم مرتبته ثم كميته ثم موافقته، فاما الوقت والمرتبة فان لا يأخذ طعاما الا بعد ما يستمرئ الطعام الأول، ويبدأ بما لان من الثمار مثل التين والخوخ والبطيخ، " وبعدها الفواكه القابضة " ولا يبدأ باليابس من الأغذية قبل ذلك، لان الغذاء اللين المرئ ينهضم قبل اليابس البطئ الاستمراء ويطب مخرجا فان لم يجد المخرج فسد وأفسد ما كان تحته من الغذاء
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»