الجنس من الأشياء إذا طبخ أو شوي بقي على غلظه وبطلت عنه قوة التلطيف، فاما الأدوية الغليظة فإنها نافعة لمحرورين ولمن كثر تعبه وحركته وقل طعامه وكثر نومه بعد طعامه، وتولد فيمن لم تكن هذه حاله سددا وفسادا، ومن الغليظة ما صار غليظا ليبس فيه مثل الكماة والباقلى المقلو والشاه بلوط، ومنها ما صار غليظا لصلابة فيه مثل لحوم البقر والإبل والأمعاء والكروش ومنها ما صار غليظا لأنه لم يعجن جيدا ولم ينضج نضجا محكما مثل الفراني وما أشبهها من الحلوا المعمول من الخبز الفطير وما كان بين اللطيف والغليظ من الأغذية فإنها لا تضعف البدن مثل الأغذية اللطيفة، و لا تولد غلظا وسددا مثل الأغذية الغليظة، لكنه ينفع لمن قل تعبه " ولم يحتج " (1) إلى أن يكون له قوة وبطش شديد وذلك مثل الجدي والدجاج الجولي ولحم المعز وأشباهها، فاما الغذاء المرئ الذي يسرع هضمه فإنه يفعل ذلك اما لخفته واما لاعتداله في حره وبرده وصلابته وعفوصته، واما لان المعدة تستمريه لشدة شهوتها إياه وموافقته لها، أو لا تكون حرارة المعدة قوية جدا " فتستمرئ البارد من الغذاء دون الحار أو أن تكون برودة المعدة قوية جدا " فتستمرئ الغذاء الحار دون البارد، ويقال ان أمة من الأمم بالروم كان غذاؤها لحوم الحمير وانهم كانوا يستمرون ذلك لكثرة نومهم، فاما علة ثقل الغذاء وعسر استمرائه فان ذلك يكون اما لبرد الغذاء أو لصلابته أو للزوجة فيه أو لكثرة دسمه أو لأنه كريه الطعم، وفي الجملة ان كل شئ يشتد مضغه فهو أبطأ استمراء مثل الكرفس و الطرخون والراسن، وما كان من الحيوان معتدل السن كان أسرع انهضاما مما صغر جدا وكان مفرط الرطوبة مثل صغار الجدي و والخرفان وما كان من الشراب حلوا فإنه امرأ مما كان عفصا
(١١٩)