ان يبقى بشخصه احتاج واشتاق إلى أن يبقى بصورته فاحتاجت الطبيعة لذلك إلى النسل فلم يصل إلى النسل الا بالنمو، ولا إلى النمو الا بالغذاء، فعلة الغذاء هي الشوق إلى البقاء، وقال كل متنفس قوامه بثلاثة أشياء، هي القوة الغاذية والحرارة الغريزية و الغذاء فالقوة الغاذية هي أول قوى النفس النامية، وحد الغذاء انه استحالة شئ إلى شئ آخر يزيد في كيفية ما استحال اليه، ويلصق " بالمتغذي " (1) به ويثبت معه، وقد يزيد الدهن قوة السراج لكنه لا يلصق به ولا يثبت معه ولذلك لا يقال إنه غذاء للسراج، وكل شئ انما يغتذى بشئ يشبه في حال ولا يشبهه في حال أخرى مثل الحنطة التي يشبه اللحم بالقوة، أعني ان في قوتها ان يستحيل إلى الكيلوس أولا ثم من بعده إلى الدم ثم اللحم فالغذاء يشبه بدن الانسان بالقوة ويضاده، وذلك لأنه لا يصير غذاء للبدن الا بعد أن ينفعل منه، ولا ينفعل شئ الا من ضده، وذلك كالنار والحطب فان الحطب يشبه النار بالقوة ويضادها بالفعل، لان النار تحرقه وتصيره مثلها، فالحطب ينفعل بالنار لان النار ضده، وكل حي محتاج إلى غذاء يقوم مقام ما " يتحلل " (2) بالشمس والرياح من بدنه أولا فأولا، فالطعام إذا وصل إلى البدن زاد أولا في الدم واللحم ثم يزيد في سائر الأعضاء، وكما ان الماء إذا جعل في السقاء فكذلك الغذاء إذا وصل إلى البدن زاد في جميع اجزائه، وتلك الزيادة هي النشو، وكما ان المكيال الواحد يكال به أشياء كثيرة، فكذلك الصورة واحدة وأنواع الأغذية كثيرة شتى، والمكيال لا يفني بفناء الشئ الذي يكال به لكنه قائم على حاله، فكذلك صور الأعضاء لا تفنى بفناء هيولى الأغذية، وكمأ ان الشئ المكيل إذا جعل في المكيال صار على صورة المكيال وتقطيعها " فكذلك الغذاء إذا دخل
(١١٥)