(2) كتاب فردوس الحكمة وما حواه من المحاسن والمساوي هو اقدم تأليف جامع لفنون الطب فيما بلغنا من كتب طب العرب، وقد عول المصنف في تأليفه على أكثر الكتب المهمة الطبية المتقدمة عليه والمعاصرة له فإذا أمعن الناظر فيه تطلع على ما بلغ الطب اليوناني العربي إلى أيام تأليفه ورأى رقيه مع مميزاته الخصيصة به. وقد رام المصنف في تأليفه هذا ان يحتذي في الفنون الطبية وجمعها حذو منطق أرسطو ويبني عليه كتابه، وهو المنهج الذي ابتكره اوريباسيوس وفولس الاجانيطي قبله وصعد به ذروة الرقي علي بن العباس المجوسي وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي وبلغ أوج الكمال بيد خاتم حكماء المسلمين الشيخ الرئيس أبي علي حسين بن عبد الله بن سينا بعده.
وقد أتى المصنف في مقالة (1) منه على كليات الطب الهندي ومعالجاته من كتب شركا (Charaka) وسسرتا (Susruta) وندانا (Nidana) واشتانقهردى (Ashtangahradaya) راعيا في ذلك جانب الايجاز. ولذلك يسع لي ان أقول فيه أن هذا الكتاب وحيد في أدب الطب العربي لا يشق غباره ولا يثنى عنانه بل ولا يدرك شأوه ولا يتصل بعجاح قدمه.
ومما يزيده براعة وفضلا انه مع المسائل الطبية التي هي خصيصة به لم يخل أيضا من المباحث النباتية والحيوانية والرياضية وغيرها وبعضها ما ابن بجدتها وأبو عذرتها مؤلفة، ولذلك قد ملأ دوية الآفاق وبلغ من قلوب المهرة الحذاق بمكان مكين حتى أن أبا بكر محمد بن زكريا الرازي تلميذة وان كان قد سبقه وبذه في الطب لم يزل يردد صدى فردوس الحكمة في بعض تآليفه ويغترف