والأرائح لا توزن ولا تذرع ولا تكال، ومما قالت الحكماء في ذلك أيضا ان الجسم لا يخلو من أن يكون نعتا أو منعوتا، فإن كان الجسم هو النعت وليس في العالم شئ غير الجسم " فليس اذن في العالم منعوت وان كان الجسم هو المنعوت وليس في العالم غير الجسم فالجسم اذن " منعوت بلا نعت وموصوف بلا وصف " وهو محال " فالجسم اذن هو المنعوت ونعته الاعراض التي تعرض فيه، وقالوا أيضا ان كان كل شئ في العالم جسما فمن قال كل شئ جسم فكأنه قال كل جسم جسم لأنه ليس شئ سوى الجسم، ومن قال أيضا ان كل جسم متلون فكأنه قال كل جسم متجسم إذ كان اللون أيضا، جسما، وقد نرى هذه الاعراض تنتقل عن الأجسام فيصير الجسم الأبيض اسود والحلو مرا، فان كانت الاعراض أجساما فإلى أين تصير هذه الاعراض إذا هي انتقلت عن الأجسام، وما بالنا لا نرى مواضعها التي انتقلت إليها كما نرى مواضع الأجسام التي كانت فيها، وقد تذهب رائحة الشراب وطعمه ولونه من غير أن ينقص شئ من كيله أو وزنه، ولو كانت هذه الاعراض أجساما في الشراب لنقص الشراب بنقصانها فقد بان بما قلنا إن الاعراض خلاف الأجسام فان السواد غير الجسم المسود ولو لم يكن سواد لما كان جسم اسود، ولو لم يكن طول لما قيل لجسم طويل، ولو لم تكن حركة لما كان متحرك أيضا.
الباب العاشر في القوى المدبرة المربية للأبدان ان القوى التي تدبر الأبدان هي ثلث، قوة حيوانية، وقوة نفسانية، وقوة طبيعية، فالقوة الحيوانية تكون في القلب وهي حارة يابسة تنتشر في البدن بالعروق، ومنها النبض والحركة الذاتية