خزانة الأدب - البغدادي - ج ٤ - الصفحة ٣٦٣
قال عمر: دع عنك هذا فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك قال: إذن أتنصر قال: إن تنصرت ضربت عنقك فلما رأى جبلة الجد من عمر قال: أنا ناظر في هذا ليلتي هذه.
وقد اجتمع بباب عمر من حي هذا و حي هذا خلق كثير حتى كادت أن تكون فتنة فلما أمسوا أذن له عمر بالانصراف حتى إذا نام الناس تحمل جبلة مع جماعته إلى الشام فأصبحت مكة منهم بلاقع. فلما انتهى إلى الشام تحمل في خمسمائة من قومه حتى أتى القسطنطينية فدخل إلى هرقل فتنصر هو وقومه فسر هرقل بذلك جدا وطن أنه فتح من القتوح واقعده حيث شاء وجعله من محدثيه وسماره.
ثم إن عمر بدا له أن يكتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام ووجه إليه رسولا وهو جثامة بن مساحق الكناني فلما انتهى إليه أجاب إلى كل شيء سوى الإسلام فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل: هل رأيت ابن عمك هذا الذي جاءنا راغبا في ديننا قلت: لا. قال: فالقه. قال: فتوجهت إليه فلما انتهيت إلى بابه رأيت من البهجة والحسن والستور ما لم أر مثله بباب هرقل فلما أدخلت عليه إذا هو في بهو عظيم وفيه من التصاوير ما لا أحسن وصفه وإذا هو جالس على سرير من قوارير قوائمه أربعة أسد من ذهب وقد أمر بمجلسه فاستقبل به وجه الشمس فما بين يديه من آنية الذهب والفضة تلوح فما رأيت أحسن منه فلما سلمت) عليه رد السلام ورحب بي الطفني ولامني على تركي النزول عنده ثم أقعدني على سرير لم ادر ما هو فتبينته فإذا هو كرسي من ذهب فانحدرت عنه فقال: مالك فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا.
فقال جبلة أيضا مثل قولي في النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكرته وصلى عليه ثم قال: يا هذا إنك إذا طهرت قلبك لم يضرك ما لبسته ولا ما جلست عليه. ثم سألني عن الناس وألحف في السؤال عن عمر ثم جعل يفكر حتى عرفت الحزن في وجهه فقلت له: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك والإسلام. فقال: أبعد الذي قد كان قلت: قد ارتد الأشعث بن قيس عن الإسلام زمنعهم الزكاة
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»