خزانة الأدب - البغدادي - ج ٤ - الصفحة ٢١٦
له: انصرف. فقال: أين ما وعدت قال: رجوعك بالخيبة أهون علي من سفك الدماء.) ثم هام على وجهه في الفلوات وأنس بالوحوش فكان لا يأكل إلا ما تنبت الأرض من البقول ولا يشرب إلا مع الظباء وطال شعر جسده ورأسه وألفته الوحوش وكان يهيم حتى يبلغ حدود الشام فإذا ثاب عقله سأل عن نجد فيقال: وانى نجد فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه.
وكان بأهله يأتونه بالطعام والشراب فربما أكل منه. وفي بعض الأيام أتوه بالطعام فلم يروه فانطلقوا يفتشونه فرأوه ملقى بين الأحجار ميتا فاحتملوه إلى الحي فغسلوه ودفنوه وكثر بكاء النساء عليه. وكان في مدة ابن الزبير.
وكانت ليلى تحبه أيضا محبة شديدة. حكى ابن قتيبة قال: خرج رجل من بني مرة إلى ناحية الشام والحجاز مما يلي تيماء والسراة بأرض نجد بغية له فإذا هو بخيمة قد رفعت له عظيمة وقد أصابه المطر فعدل إليها فتنحنح فإذا أمر كثير عظيم فقالت: سلوا هذا الراكب من أين أقبل فقال: من ناحية نجد. فقالت: يا عبد الله وأي بلاد نجد وطئت قال: كلها.
قالت: فيمن نزلت منهم قال: بني عامر.
فتنفست الصعداء ثم قالت: بأي بني عامر قال: ببني الحريش. قالت: فهل سمعت بذكر فتى منهم يقال له قيس ويلقب بالمجنون قال: إي والله قد أتيته فرأيته يهيم مع الوجش ولا يعقل شيئا حتى تذكر له ليلى فيبكي وينشد أشعارا يقولها فيها. فرفعت الستر بيني وبينها فإذا شقة قمر لم تر عيني مثلها قط فلم تزل تبكي وتنتحب حتى ظننت أن قلبها قد تصدع فقلت: يا أمة الله اتقي الله فوالله ما قلت بأسا فمكثت طويلا على تلك الحال من البكاء والنحيب ثم قالت: الطويل * ألا ليت شعري والخطوب كثيرة * متى رحل قيس مستقل فراجع *
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»